الأخبار
د.محمد مختار جمعه
حتي لا نفقد الذاكرة
يمكن للذاكرة أن تنسي أو أن تضعف، وربما يكون النسيان أو ضعف الذاكرة مع الزمن المتجدد أحد السنن الكونية، غير أن الخطر الداهم هو أن تموت الذاكرة أو تفقد، وإذا كان موت ذاكرة الشخص طامة كبري له ولأسرته ولبعض المحيطين به، فإن الطامة الأكبر والأدهي والأمر هو أن تموت ذاكرة أمة أو تُفقد، ذلك أن المستقبل لا يمكن بناؤه بناء صحيحاً بمعزل عن وعي دروس الماضي والاستفادة منها في بناء المستقبل، وإذا نظرنا في الدعوات الطائشة الرامية إلي نشر الفوضي في أوقات لا تحتمل سوي اتجاه واحد هو السير في سبيل الاستقرار دون سواه من محاولات الهدم وتفكيك الدولة وتعطيل مسيرتها، فإنني أُذكِّر كل وطني مخلص بما يجب ألا ينساه من ديكتاتورية الجماعة الإرهابية المسماة جماعة الإخوان ورئيسها المعزول حين أصدر إعلانه غير الدستوري المكبل وسط صمت بل تأييد مُخزٍ ومريب من جميع عناصر الجماعة ومن دار في فلكها أو التف حول ما كان يتناثر من فُتاتها، هذا الإعلان الأسود المشئوم الذي ما كان ينقص مُصدِره سوي أن يزيّله بما كان من جبروت فرعون حين قال لقومه : «أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَي» (النازعات : 24)، وحين قال لهم : « مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَي وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ « (غافر :29) ، في استعلاء وعجرفة لم يشهد لهما تاريخنا المعاصر مثيلاً في الصفاقة وقلة الحياء أو الخجل، وحتي لا ننسي أو لا تموت الذاكرة أو تفقد حيويتها يكفي أن أشير إلي المادة الثانية من هذا الإعلان المشئوم الذي أصدره المعزول محمد مرسي، الذي كان يُعرَف بمندوب أو ممثل مكتب الإرشاد في قصر الاتحادية، ونصها : «الإعلانات الدستورية والقوانين والقرارات السابقة الصادرة عن رئيس الجمهورية منذ توليه السلطة في 30 يونيو 2012 وحتي نفاذ الدستور وانتخاب مجلس شعب جديد تكون نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها بأي طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض لقراراته بوقف التنفيذ أو الإلغاء ، وتنقضي جميع الدعاوي المتعلقة بها والمنظورة أمام أية جهة قضائية».

وساعتها اعتبر المجلس الأعلي للقضاء في مصر أن هذا الإعلان اعتداء غير مسبوق علي استقلال القضاء وأحكامه، وأن المجلس هو المعني بكافة شئون القضاء والقضاة، مبديا أسفه لصدور هذا الإعلان.

كما لاقي هذا الإعلان احتجاجات واعتراضات وطنية ودولية واسعة، وتلقت البورصة المصرية خسائر فادحة بلغت 37 مليار جنيه، واختفت طلبات الشراء علي كثير من الأسهم المصرية، وشهدت السوق عمليات بيع قوية من المستثمرين الراغبين في الفرار بما تبقي من أموالهم والتخلص من الأسهم. كما لا يمكن أن ننسي عمليات الإقصاء الممنهج الذي سلكته الجماعة الإرهابية في عامها المشئوم المعروف بعام حكم المرشد، وحرصها الشديد، ورغبتها الجامحة، ورعونتها وتسرعها، في محاولة السيطرة علي جميع مفاصل الدولة من جهة، وتفكيك مؤسساتها الوطنية من جهة أخري.

ويكفي أن نعود بالذاكرة إلي الوراء قليلاً لنتذكر من مواقف الإخوان المخزية حصارهم للمحكمة الدستورية ، ولمدينة الإنتاج الإعلامي ، في محاولات مستميتة لإرهاب القضاة ومؤسسات تحقيق العدل ، وإسكات صوت الإعلاميين الوطنيين ، وترهيب المفكرين والمثقفين ، ووضعهم علي قوائم الاعتقال أو الإقصاء، مع ما صاحب ذلك من فُحش وبذاءات وتطاول يتجاوز حدود السب والقذف ، وينأي كل من اللسان والقلم العف عن ذكره.

كما لا يمكن أن ننسي سعي مكتب الإرشاد للسيطرة علي مؤسسات الدولة الحيوية ، مع محاولات اختراق المؤسسات الأمنية ، ناهيك عن تسريب الوثائق الوطنية وبيعها والقيام بدور الجوسسة علي الوطن وعلي قواتنا المسلحة الباسلة ، وفتح حدودنا وبخاصة في سيناء لاستقطاب بعض العناصر الإرهابية ، مع إطلاق سراح القتلة والمجرمين ، ليشكلوا ذراعاً طولي للجماعة ، مع التفاهمات التي كانت ستؤدي إلي التنازل عن جزء من سيناء ، لصالح تمدد الأهل والعشير من حماس بها ، وترك غزة أو جزء منها للعدو الصهيوني أو تخفيف الضغط عليه منها علي أقل تقدير ، ولا أظن أن أحداً يمكن أن ينسي خطاب المعزول إلي عزيزه المخلص «شيمون بيريز» الذي شكل فضيحة دبلوماسية مدوّية ، ولا أظنه كان مجرد خطأ دبلوماسي ، بل كان علي الراجح توجهاً في إطار علاقة الجماعة بأمريكا وربيبتها إسرائيل.

علي أن الذي دفعني وبقوة إلي كتابة هذا المقال هو خروج بعض أذناب الجماعة الإرهابية ، وبعض عناصرها المريبة ، وبعض حلفائها وأنصارها علينا بدعوات جديدة ، سواء إلي انتخابات مبكرة ، أم إلي الخروج في الخامس والعشرين من يناير ، وهو ما يدعو إلي الريبة في هذه الدعوات ، وبخاصة في ظل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية لم يشهد جيلنا مثلها في الحياد والنزاهة والشفافية ، ولم يستطع أحد علي الإطلاق أن يشكك في صدق الحكومة وتصميمها علي هذه النزاهة والشفافية ، وفي ظل التفاف غير مسبوق خلف السيد الرئيس / عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية ، وخلف قواتنا المسلحة الباسلة ، مع تأكيدنا أن أي دعوات للخروج أو الفوضي في هذه الأيام لا يمكن أن توصف بأقل من الخيانة الوطنية ، وهو ما يستوجب التصدي لها بكل قوة وحسم.

إننا وأكثر من أي وقت مضي لفي حاجة ملحة إلي الاصطفاف الوطني ، والوقوف صفاً واحداً خلف السيد رئيس الجمهورية في مواجهته للإرهاب ، وحرصه الدءوب علي بناء الدولة من جديد ، وعلي ترسيخ مكانتها إقليمياً ودولياً ، وهو ما ترجم في بعض جوانبه بانتخاب مصر عضواً غير دائم في مجلس الأمن وبأغلبية كاسحة. كما يجب الوقوف وبالقوة نفسها خلف قواتنا المسلحة الباسلة ودعمها بكل قوة ، وبخاصة في معركتها الشجاعة العادلة ضد قوي الإرهاب ، وحرصها علي أمن الوطن وسلامته، وقيامها بذلك خير قيام ، يد تبني وأخري تحمل السلاح.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف