الجمهورية
المستشار محمد محمد خليل
الإسلام الحنيف
إن الله يبعث علي رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة دينها. والمقصود بالتجديد هنا ليس هدماً لتعاليم دينية صحيحة وإقامة أخري ترضي بعض الأفكار دون بعض. وإنما هو عرض الإسلام المصفي وشرحه للعقول التي تفهم والتي تريد أن تفهم.. أو نقول عرض الإسلام الحنيف كما أنزله الله علي سيدنا محمد وفهمه منه الصحابة والتابعون وقام عليه علماء الإسلام الذين أثروا الفكر الإسلامي باتخاذ النهج العقلي المستنير بروح الوحي وبتعاليم الإسلام كما وردت في آيات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة مضافاً إلي ذلك كله القواعد الفقهية التي تصلح حياة المسلم وتضعه علي الطريق الصحيح لبناء حياة البشر وتنظيم العلاقة بينهم بما يدفع الإنسان لتعمير الكون مستعيناً بكل ما قدمه العقل البشري من أفكار واختراعات دون النظر إلي ما عليه الآخرون من معتقدات لا فرق بين عقل مسلم وعقل آخر يدين بديانة أخري عملاً بالمنهج القرآني العظيم وهو التعارف بين الشعوب والقبائل التي خلقها الله.
الاختلاف في الإسلام لا مطعن عليه ولا استنكار له بل هو سنة الله في الخلق.. الطريق القويم للإنسان السوي هو التعاون والتكاتف لنفع البشرية والأخذ بيدها لعمارة الكون.
إن مثقفي الأمة ودعاة الإسلام عليهم واجب يؤدونه لدينهم ووطنهم انطلاقاً من أن الوطن يحتاج إلي وقفة رجل واحد في سبيل النهوض به والسير نحو مستقبل مبهر زاهر.. لا يتأتي ذلك إلا بالعلم القائم علي فكر منظم وعمل دائم ليس ذلك ببعيد فقد سبق لتلك الأمة أن نهضت وقامت وبنت حضارتها علي قواعد علمية مازال العالم حائراً أمامها يتساءل كيف للمصريين أن أقاموا هذه الحضارة ووصلوا إلي أسرار التحنيط وقدرتهم الرهيبة في إقامة المسلات الحجرية المرتفعة وبناء الأهرامات المعجزة بتفريغ الهواء بين أحجارها عرفوا أسرار الكيمياء وتركيباتها التي تجعل الألوان باقية زاهية آلاف السنين علي جدران المعابد.. إنه لاشك عمل علمي رائع سبق العقل الحديث بمراحل.
أيام أن كان المسلمون لهم السطو والسلطان وعلماؤهم وأئمتهم وفلاسفتهم يؤلفون الكتب النفيسة وكان قضاتهم يحكمون بالعدل بين الناس سابقوا الأمم في الرقي والتحضر والمدنية ومن ثم لا مانع أن يسابقوا الأمم مرة أخري ويضعوا أنفسهم في مجال المنافسة في التقدم والعلم وهو ما ينادي به الإسلام ويدفع به البشر.. عشرات الآيات القرآنية تتحدث عن العلم والعلماء والتفكير والتدبير والنظر في ملكوت الله ومخلوقاته وتميز الإنسان المفكر العالم عن غيره وتكرم العقل الإنساني وتجعله مناط التكليف والمسئولية لذا فإن عرض الإسلام كمنهج رباني حث علي التفكير وأمر بالتعاون والتعاضد والائتلاف بين أفراد الأمة كما أمر بالعدل والإحسان ويوصي خيراً بالمتخالفين له من أهل الأديان الأخري علي الصور المستفيضة في الفقه ونبذ التعصب الشائن لأمر هام ويعد عرض الإسلام صافياً مطهراً من تفكير أصحاب العقول الناقصة والنفوس المريضة الذين يقصرون التدين علي الدروشة وظواهر الأفعال التي تخدع العامة بأن أصحابها أهل الدين ذلك كله واجب علي مثقفي هذه الأمة وعلمائها.. رحم الله مفكرنا المجدد خالد محمد خالد حين قال إن التدين قد يكونون مرضاً ونحن نقول إن التدين قد يكون أيضاً تعيشاً واسترزاقاً وقد يكون جهلاً وغباء!
الإسلام في حاجة ملحة إلي من يقرأ ويبحث وينقب عن كل ما يحتاجه الإنسان ويرقي به وينافس به الأمم.. يحتاج إلي من يبرز فيه قيمة الإنسان وعظمة الكون وتسخير الكائنات للنهوض بالبشر ونفع الإنسانية ولن يتأتي ذلك إلا بالرسوخ في العلم لنقول في النهاية آمنا بالله الذي كرم الإنسان بالعقل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف