أكيد شاهدت حضرتك مندوبي المرشحين للبرلمان أمام اللجان وهم يشترون أصوات الناخبين في ظاهرة لم تحدث بمثل هذه الكثافة والفجر حتي أيام مبارك. الصحف القومية نفسها - تصور - نشرت الصور. وبثتها كذلك بعض الفضائيات.
التعميم طبعا لا يجوز. هناك مرشحون. علي ضعف مستواهم الفكري والثقافي وجهلهم السياسي. حصدوا الأصوات بدعم الأهل والأقارب. أو بالوعود الكاذبة. أو بالظهور ليلا ونهارا في التليفزيون حتي لو كان ظهورا كوميديا.. لا أقصد توفيق عكاشة بالتأكيد!
وعندما أتأمل أسماء الفائزين. أو الذين في طريقهم إلي الفوز. لا أندهش ولا أستغرب. فهم نتاج لمقدمات عبثية شاهدناها ونشاهدها وربما نستمر في مشاهدتها بعض الوقت. هؤلاء هم إفراز المرحلة السريالية التي نعيشها. فلا دهشة ولا استغراب إذن.
المقلق في أمر هذا "العرس الديمقراطي" - مشيها عرس - ان ولاة الأمر يبدون سعداء بالنتائج. علي أساس أنه سيكون برلمانا مؤيدا. ومصفقا. وهادئا. ولطيفا وظريفا. نعم سيكون كذلك. وسوف يمكننا الاستغناء عن كل برامج الكوميديا التعبانة لنشاهد الكوميديا التي علي أصولها ونضحك.. لكنه سيكون ضحكا مثل البكاء.
سيقول لك أحد الأنطاع: وهل تدخل النظام في الانتخابات؟ أليست هذه اختيارات الناس؟ قل له أركن علي جنب أيها النطع. النظام لم يتدخل فعلا في الانتخابات وكان محايدا. والدولة لم تزورها. كالعادة. لكن قوانين الانتخابات نفسها كانت كفيلة بعدم إقبال العديد من الوطنيين الشرفاء علي خوض المعركة الانتخابية لأنهم لا يملكون شيئا من حطام الدنيا. وحتي الذين خاضوها سقطوا أمام رأس المال والبلطجة. أحد المرشحين في إحدي مدن القناة قالوا إنه انفق 60 مليون جنيه علي الدعاية. لماذا أنفقها وما العائد الذي ينتظره؟ قوانين الانتخابات هي التي أفضت بنا إلي هذه النتائج الكارثية. وأدت إلي هذه السلوكيات - الرشاوي الانتخابية - التي مارسها مرشحون علي استعداد لعمل أي شيء في سبيل كرسي البرلمان الذي يعني الكثير بالنسبة لهم. هؤلاء سيكونون أكبر خطر علي مصر ونظامها.
البرلمان الذي كنا نتمني أن يضم التيارات كافة ويعبر بصدق عن الشعب المصري بكل طوائفه واتجاهاته. لن يكون - من واقع الأسماء التي فازت - سوي برلمان شكلي. مصفق. موافق. مهادن. وكله بثمنه. هم سيحافظون علي مصالحهم. أما مصالح مصر وشعبها فلتذهب إلي الجحيم.
مصر في موقف حرج وصعب. وأكيد هي عارفة. فلماذا لا تجلس مع نفسها وتفكر مرة واثنتين وعشر. في كيفية الخروج من المأزق الذي وضعت نفسها فيه وباختيارها ومزاجها. نعم هناك من يتآمر علي مصر. لكنها أيضا بتصرفاتها الطائشة هذه. تتآمر علي نفسها. والمفروض أنها ليست صغيرة حتي تلعب بالكبريت.
مصر تلعب بالكبريت فعلا وليس مجازا. فلماذا لا ينتبه نظامها ويلحقها ويجعل الاصطفاف خلفه. والذي يحتاجه الآن تحديدا. واجبا وطنيا علي الجميع. يفعلونه من تلقاء أنفسهم بدافع الحب والحرص علي مصالح بلادهم. كيف يصطف الناس وهم يرون المنافقين والأفاقين يشقلبون حال اللغة ليصبح معني الاصطفاف هو الانبطاح والمداهنة والنفاق.. هناك من يريدون الاصطفاف والله. لكنهم يأنفون أن يكونوا في صورة واحدة مع أصحاب مصانع الكبريت وكوميديانات الملاهي.. انتبهي يا مصر الله يرضي عنك!!