أحمد الصاوى
الجملة والتجزئة فى الحرب على الإرهاب
تخوض ٤ دول إفريقية حربًا ممتدة مع النسخة الإفريقية «بوكو حرام»، تمر عليك أخبار القتل والحرق وإزالة القرى بأكملها وخطف المئات، دون انتباه لائق إلى حجم الجرم الذى يقع على مسافة ليست بعيدة، كما تظن، عن حدودنا.
الحرب التى تخوضها نيجيريا والكاميرون والنيجر وتشاد، تتم دون غطاء دولى حقيقى، ودون مساعدات واضحة وجليّة، ودون اهتمام كافٍ بهذا الخطر، لو قارنت الاهتمام بما يجرى على الجبهة العراقية السورية.
خطر بوكو حرام الذى يتمدد عرضيًّا فى وسط إفريقيا، تتجلى فيه أهمية تشاد، التى يمكن اعتبارها حاجزا مهمًّا يَفصل الجماعة الإفريقية المتشددة عن بلوغ الحدود الجنوبية لليبيا والغربية للسودان، وبالتالى خلق فرصة التحام بين التنظيمات الإفريقية المتطرفة، وتلك التى تعلن عن نفسها فى ليبيا، والكامنة لأسباب كثيرة فى سودان مهدد بالانفجار فى أى لحظة.
أمام هذا الخطر، ما الذى تقدمه مصر والدول العربية الرئيسية فى الحرب على الإرهاب للأفارقة.
يكفى أن أخبرك بأن إسرائيل من أكبر الداعمين للأفارقة فى مواجهة بوكو حرام . المتحدث باسم الحكومة النيجيرية مايك عمرى، قال إن نيجيريا تستفيد كثيرا من خبرات الشركاء الإسرائيليين فى مواجهة التنظيمات الحركية وحروب العصابات، عبر تدريب مكثف يعلِّم فيه خبراء إسرائيليون ضباط الجيش النيجيرى كيفية مواجهة الإرهاب، إلى جانب دعم لوجيستى واستخباراتى كبير.
هذه حرب على الإرهاب تتم فى صمت دون انتظار، وتستثمر فيها قوى إقليمية مثل إسرائيل، مما يضمن لها وجودا مهمًّا جدا فى وسط القارة الإفريقية، أين نحن منها؟ وأين إعلامنا؟
حرق داعش المشرق العربى الطيارَ الأردنى، فانفجر العالم والإعلام العربى معه بالطاقة والاهتمام، وحرقت بوكو حرام قبل أسبوع قريتين بأكملهما شمال شرق نيجيريا، ولم نعرف الكثير عنها.
هل معنى ذلك أننا مطالَبون بدعم الأفارقة فى حرب على الإرهاب بينما نحن غارقون فى هذه الحرب؟
الحقيقة أن دعمنا للحرب فى إفريقيا يصب فى دعم حربنا على التطرف فى ليبيا، وعلوّ مثيله فى سوريا والعراق.
فى خطابه الجيد أمام مجلس الأمن، غاب عن وزير الخارجية المصرى سامح شكرى هذا الربط بين داعش الشرق و داعش الغرب و بوكو حرام الجنوب ، باعتبارها ذات الخطر وذات المنهج، وذات العدو، وأن يشير إلى تناقض دولى فادح فى إعلان الحرب على داعش الشرق ، والتحالف ضدها، بينما النظرة إلى الغرب والجنوب تأتى على استحياء.
يتطلب الأمر تشكيل تحالف دولى جديد ضد الإرهاب كونه إرهابًا، لا يفرّق بين إرهابى وإرهابى، وبين داعشنا فى الغرب الذين يتحفظون على قتاله، وداعشهم فى المشرق الذين يقاتلونه بحماس، والأخرى فى الجنوب التى يكتفون معها بتأييد لقتالها لا يتسم بذات السخاء.
محاربة الإرهاب بالقطعة لا تُسمن فى منطقة تتفجر فيها بؤر الإرهاب واحدة تلو أخرى، وتنجح تلك البؤر، فى الربط فى ما بينها وتتبادل المعلومات والخبرات والسلاح أحيانا، بينما تفشل الدول الأكثر تنظيمًا فى التعاطى مع هذا الخطر، باعتباره خطرا واحدا لا فارق بين وحشيته هنا ووحشيته هناك.
الدبلوماسية المصرية التى تتحرك فى هذا المجال، يجب أن لا تغفل الحلفاء الأفارقة، بينما هى تسعى خلف حلفاء أوروبيين لديهم تحفظات، وينتظرون حلا سياسيا فى ليبيا قد يطول وقته حتى يتوحش داعش الغرب ، ويصبح تهديدا أكبر وأصعب، وتكون فرص التحامه بـ بوكو حرام أكبر وأكثر ترجيحا، وأن تتعامل بقدر كبير من التحفظ الرافض مع أى طرف يطلب دعمها فى المشرق، وهو لا يقدم ذات الدعم فى الغرب رغم وجود نفس العدو.
مطلوب فضح تناقض الأطراف التى تعتقد فقط أن الإرهاب فى العراق والشام، وأن ذلك فقط ما يستحق المواجهة الحاسمة وحشد التحالفات العسكرية.
ومطلوب منا أن نتعامل بنفس المنطق، فلا ننظر إلى الإرهاب فقط كأنه غير موجود إلا فى ليبيا وسيناء، وأن نمد ما نستطيع من عون لشركاء فى إفريقيا يواجهون خطرا ممتدا منذ سنوات، يتمدد بعنف، ويكاد يلتحم مع باقى جزر الإرهاب التى تبدو منعزلة.
لا فوارق بين دواعشنا ودواعشهم، علينا أن نعمل وفق هذه الرؤية وأن نجتهد فى حشد العالم لها، ومواجهة الآخرين الذين يتعمدون تجزئة الحرب على الإرهاب حسب بوصلة المصالح.