أنور عبد اللطيف
روشتة المفكر السياسى جلال أمين لعلاج مرضى القلب
طيار فى مطعم للوجبات السريعة، في الثلاثين من العمر، اشترى تذكرة لمشاهدة أحدث الأفلام بسينما ريفولى، وفى انتظارموعد فتح صالة العرض تسلى بحاجة ساقعة من كشك الرصيف المجاور، رشف جرعة «فزغزغت زوره» وتكرع فى استمتاع وفتح زراعية وصدره للهواء، ثم جلس على الرصيف، وقبل الرشفة الثانية، فرد ظهره علي الأرض ومد ساقيه في نهر الشارع وغطي وجهه بجريدة كانت بيده، وعندما تدحرجت علبة «الكانز» جرت منها فقاقيع المياه الغازية على الأسفلت، سبقنى اليه صاحب الكشك ثم تجمع حولنا فاعلي الخيرالذين انشقت عنهم الأرض للمساعدة.. وفى المستشفى تأكدنا أنه فارق الحياة والسبب أزمة قلبية ، لم تفارق خيالى رغم مرور السنوات حالة الدهشة من الإنهيارالمفاجئ لهذا الشاب رشيق القوام مفتول العضلات الذى خذله قلبه فى لحظات..
تذكرت المشهد والدهشة وغول الأزمات القلبية الذى لا يفرق بين الأعمار والطبقات، عندما تلقيت دعوة من الدكتورة ليلى إبراهيم شلبى أستاذة القلب لحضور مؤتمر عن القلب صباح غد الأربعاء بمعهد القلب القومى بالتعاون مع جامعة عين شمس، وسر دهشتى أن الذى سيفتتح مؤتمر ترويض هذا الوحش الذى يفتك بالقلوب، ويلقى محاضرته الرئيسية ليس وزير الصحة ولا وكيله الأول ولا حتى بروفيسور أجنبى، ولا الجراح العالمى الدكتور مجدى يعقوب، أو مصمم برنامج جديد لإعادة تأهيل خريجى جراحات القلب المفتوح ولكن الذى سيكتب روشتة العلاج فى الافتتاح هو المفكر السياسى والاقتصادى الدكتور جلال امين!
ولأنى أتابع تداعيات هموم مرضى القلب الذى يحمله على أكتافه هذا المعهد القومى التى تصله يوميا مايقرب من ألف حاله فى النزع الأخير، استغربت هل هو تشابه أسماء بين جلال أمين المحلل السياسى والاقتصادى والكاتب بالأهرام وبين طبيب قلب يحمل نفس الإسم، ثم تأكدت من الدكتورة ليلى أنه المفكر والكاتب، وأن معهد القلب كما هى وزارة الصحة يتحملان نتائج ناشرى الإحباطات فى كافة القطاعات، وأن علاج أمراض القلب من المنبع تحتم علينا أولا الاستماع لرؤية محلل اجتماعى وسياسى فى حجم ضيفنا الكبير، فأشفقت على عالمنا الجليل فى البداية، ثم بدأت أفهم وأقتنع بأن معهد القلب يتحمل العبء الثقيل فى معالجة مرض مثل ضغط الدم مثلا الذى تتسبب فى رفع معدل الإصابة به ممارسات شبه انتقامية خاطئة لرؤساء مؤسسات فى الدولة، وأنه ينتشر بنسبة 26 % بين الموظفين فوق 25 سنة، ويصيب 50% ممن تقترب أو تمتد أعمارهم بعد الستين فى هذه المؤسسات !
وحتى يأتى مؤتمر الغد الذى أتشوق لحضوره أتساءل:
ماذا يقول المفكر السياسى لستة ملايين من المصريين يعانون من متاعب بين البطين والأذين فقط غير أن هذا الرقم عرضة للتضاعف كلما اتسعت الدائرة لتشمل الصمامات والأوردة والشرايين حتى نصل الى المخ والعقل والضغط العصبى والدموى المسئولين عن طول البال وضيق الخلق واستحمال الناس واحتواء بعضهم لبعض، وقلما تجد مصرى الآن يعود الى بيته آخر النهار دون أن يتعرض لخطرالوصول إلى «الشرطة الحمراء» ـ سواء بفتح الشين أو بضمها ـ التى تضعه بين خيارات ثلاث .. إما أن تصعد بروحه الى بارئها أو يساق إلى التخشيبة أو تنتظر على أطراف مناخيره لتنفجر لأتفه الأسباب فى البيت، ومن هذه الشريحة نسمع عشرات الحكايات يوميا عن الفقيد الذى عاد فى كامل الصحة والانشراح وداعب الأولاد واتصل بأمه بعد سنتين ثم طلب كوب ماء ومات دون ان يشرب من يد زوجته أخر زاده فى الدنيا..
ماذا تقول روشتة المحلل السياسى لعلاج حالات الانتقال القسرى المفاجئ للمواطن الصالح.. فهو نهارا تفرسه أخبار سقوط مئات القتلى واحتراق الطائرات والعدوان التكفيرى الإخوانى المشترك على قوات الأمن فى سيناء، ووجه أردوغان القمئ الذي انكشف متواطئا مع داعش على الدولة السورية سرا ومحاربا مغوارا ضد الإرهاب فى العلن ، وهذا المواطن تحرق دمه ليلا الصراعات الفضائية حامية الوطيس لتشريح ملابس المكلومة زوجة المرحوم سعيد طرابيك وقضية هذه المناقشات بعد رحيل سعيد المفاجئ بأزمة قلبية صارت هل يجب ان تستمر زوجته فى ارتداء الحمّالات أم النقاب؟
ماذا يقول المفكر الكبير للمواطن الذى تبعده الفضائيات عن فهم أبعاد المشروعات الكبرى ولا يقلقه البحث طوال النهار عن سيارة الوجبة المخفضة بقدر ما يقلقه ويطير النوم من عينه هروب مدرب الزمالك المفاجئ، ولا يغمض له جفن قبل أن يطمئن أن القلعة البيضاء لن تٌضطر للاستعانة بفاروق جعفر أو ميدو!
وهل ستتضمن روشة العالم السياسى والاجتماعى نصائح بتجنب أسباب الضغط العصبى الإعلامى مثل: برامج توفيق بالفراعين ليلا.. ومشاهدة باقى فقراتها بكاتم الصوت بعد تناول أدوية الضغط، وتجنب مشاهدة برنامج عمرو أديب قبل النوم ولا تبدأ يومك بإعادة لبرنامج هنا العاصمة، وبعد «العاشرة» اقرأ «المعوذتين» و«إذا فاجأك سائق ميكروباس يمشى عكس الاتجاه فأدر ظهرك واتبعه، ولا تقل له أف أو عيب فتعود الى منزلك بسيارة إسعاف!
ماذا يقول المحلل السياسى والاجتماعى عن «ماذا جرى للمصريين» وحالة الحراك الاجتماعى بعد ثورتين واستمرار مناقشات الأزمة والمحنة وتدهور الأخلاق وانحطاط الثقافة فى فضائيات ملاكى تحتكر التلاعب بأخلاق الناس، وتوجيه حالاتهم النفسية حتى أصابت المشاهدين بضغط الدم، وهل لا زلنا فى حاجة لهدم السد العالى بين الطبقات مرة ثانية بعد أن حطمه عبد الحليم حافظ من قبل، فكان أحد مؤشرات نجاح ثورة يوليو؟!
وماذا يكتب «الشَّرَّاح» جلال أمين تعليقا على صورة شيَّرتها إحدى المهندسات تجمعها مع اثنين من زميلات دفعتها المتفوقات حين كن أميرات الكلية قبل ثلاثين سنة إحداهما الأن تزن أكثر من 150 كيلو جرام وتجلس فى البيت تصارع الاكتئاب بالريموت كونترول، والأخرى بعد سنوات من ارتداء الفرير والشيفون والشفتشى لا تخرج من تحت النقاب رغم أنها تخصصت فى رعاية وتربية الأطفال الرضع؟