الأخبار
عبد القادر شهيب
لا يصدقون القول للرئيس
مرة أخري أعود مضطرا للكتابة عن أمر يخص المهندس ياسر القاضي وزير الاتصالات، رغم انني كنت أرغب في الكتابة عن موضوعات شتي.. فإن السيد الوزير أعلن عن مشروع كبير يقضي بإنشاء أربعة قري ذكية علي غرار القرية الذكية التي أسسناها من قبل في مدخل الطريق الصحراوي بين القاهرة والإسكندرية.
ولن أتوقف هنا عند اعترافات بعض الخبراء في قطاع الاتصالات علي توقيت هذا المشروع، حيث يرون انه مشروع لا يمثل أولوية الآن لمصر في ظل عدم الاستفادة من الطاقة الكاملة للقرية الذكية الكبيرة في مدخل الطريق الصحراوي بين القاهرة والإسكندرية، حيث كان من المفترض أن تضم هذه القرية التي تأسست عام ٢٠٠٣ نحو مائة مبني، بينما أقيم فيها ٦٥ مبني فقط بعضها غير مستغل أو مشغول من الشركات العاملة في هذا القطاع، بل ان بعض هذه الشركات خرجت منها أشهرها شركة أورطال الأمريكية.. وذات الشئ ينطبق أيضا عي القرية الذكية الأخري التي أسسناها من قبل في منطقة المعادي، ورغم ان الموقع أكثر جذبا، إلا انها لا تضم سوي ٢٨ مبني فقط بعضها غير مشغول أو مستغل.
سوف أتجاوز عن موضوع الأولويات بالنسبة للمشروعات، لأن هذا أمر أتركه للخبراء في مجال الاتصالات، وأيضا للخبراء الاقتصاديين ليناقشوه ويبحثوه من شتي الجوانب وفي ظل حالة سوق الاتصالات، والأوضاع الاستثمارية في بلادنا ومنطقتنا.. وسوف اكتفي هنا فقط بمسألة تمويل الأربع قري الذكية التي أعلن فيها وزير الاتصالات، وتحديدا عن طريقة التمويل وأسلوبه في ظل ما التزم به الوزير أمام الرئيس.
فقد تعهد وزير الاتصالات أمام الرئيس ألا يكلف الخزانة العامة أية أعباء مالية في عملية إنشاء القري الذكية الأربعة.. غير ان ما فعله الوزير يختلف عن ذلك.. صحيح انه لم يطلب من زميله وزير المالية مبالغ مالية أو اعتمادات خاصة إضافية لتمويل ذلك المشروع، غير انه تفتق ذهنه عن فكرة سوف تكلف المال العام والخزانة العامة في نهاية المطاف أعباء يحجب أموال عنها كانت سوف تذهب إليها، أو يحجب المال العام عن مجالات كان مخصصا للانفاق عليها.
ان السيد الوزير طلب من الهيئات والشركات العامة التي تعمل في القطاع الذي يشرف عليه ان تساهم كل منها مبدئيا بنحو ٢٥٠ مليون جنيه ليتمكن من جمع نحو المليار جنيه ينفقها علي إنشاء تلك القري الذكية الأربعة.. وهذه الهيئات والشركات العامة تشمل كل من الجهاز القومي للاتصالات وهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، والشركة المصرية للاتصالات، وهيئة البريد.. وكان يمكن ان يتم ذلك سرا وبدون ان يعرف أحد شيئا لولا تلك الاستقالة التي بادر بها رئيس هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات حسن الجريتلي بعد أن اعترض علي ان تتخلي الهيئة عن ٢٥٠ مليون جنيه مما سيؤثر بالسلب علي نشاطها الخاص بتدريب وتنمية البشر في هذا المجال، وهو الأمر الذي انفردت جريدة الأخبار بكشفه.
وهنا أيضا سوف أتجاوز عن أن السيد الوزير استخدم اسم الرئيس في الزام تلك الهيئة بدفع ما طلبه منها من ملايين الجنيهات.. وسوف أتوقف فقط عما أبغي التركيز عليه هنا وهو الأهم في تقديري، وهو أنه مازال للأسف يوجد لدينا وزراء لا يصدقون القول مع الرئيس.. يتعهدون بشئ أمامه ويفعلون شيئا اخر مختلفا بدون علمه.. فما فعله السيد وزير الاتصالات هو التفاف علي ما تعهد به أمام الرئيس.. انه يكلف الخزانة العامة والمال العام أعباء وتكاليف إنشاء القري الذكية الأربعة التي أعلن عنها.. وهذا ما قلته وشرحته لزميله السيد وزير المالية حينما جمعتني به المصادفة في لقاء قبل أيام قليلة مضت وتفهمه بحكم موقعه الوزاري ومسئوليته عن الانفاق العام وأيضا الموارد العامة في موازنة الدولة.
وهذه ليست المرة الأولي التي لا يصدق فيها وزير القول للرئيس.. فقد سبق أن حدث ذلك من قبل السيد وزير التموين بخصوص مشروع المنطقة اللوجستية لتخزين الغلال في ميناء دمياط، والذي كانت سعته لا تسمح باستقبال سفنا ضخمة تأتي بما سوف يتم تخزينه أو تخرجه به من مدينة دمياط، ولذلك ألغي الرئيس موعدا كان قد تحدد لتدشين هذا المشروع.
إذن.. نحن إزاء خطأ يجب حصاره مبكراً ومنع تكراره لأننا لا نملك ترف تبديد مواردنا المالية المحدودة في أمور أو مشروعات يبغي بها بعض الوزراء الدعاية والترويج لأنفسهم وأطاله فترة بقائهم في المقعد الوزاري.
حتي ولو كانت هذه المشروعات مفيدة وضرورية إلا أننا يجب أن نتأكد من أنها في البداية تمثل أولوية ونتأكد أيضا انها عندما ستنفذ ستحقق الجدوي الاقتصادية والاجتماعية لها معا، حتي لا يتمخض الأمر كما حدث في النظام الجديد والمفيد لتوزيع الخبز، لقد حقق جدواه الاجتماعية لكنه لم يحقق بعد جدواه الاقتصادية بل وزاد دعم الخبز بعد تطبيقه، رغم توفير المستهلكين من استهلاك الخبز مئات الملايين من الجنيهات كل سنة.
والأهم من ذلك كله نحن نحتاج لوزراء يصدقون الرئيس القول وأن يلتزموا بتنفيذ ما يتعهدون به له، ليس حرصا علي الرئيس فقط، وإنما حرصا علي نجاح جهودنا لإعادة بناء اقتصادنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف