المساء
محمد جبريل
مثل للنبل الإنساني
قد تغلب الإنشائية علي الكلمات التي تتناول قضايا الوطن. يسهل الحديث عن الوطنية والإنتماء والتكافل والتضحية. فالكلمات مجردة. وإدانة الذات صعبة. فضلاً عن الميل للتوشية والتجميل. حتي الخطأ قد نجد له ـ من وجهة نظرنا ـ ما يبرره.
للإمام علي مقولة تري إن الله إذا أراد بقوم سوءاً أعطاهم الجدل ومنعهم العمل. الفعل الإيجابي. الصحيح. يكتفي بذاته. ويستغني عن الكلمات. بل إن أية كلمات تفقد المعني أمام الفعل الذي ينكر الذات. أو يضحي بها. لقاء اقتحام الخطر دفاعاً عن القيم النبيلة.
هزتني الحادثة حين قرأتها. بدت لي مثلاً عملياً علي الإنتماء. بلا ادعاء ولا ميل استعراضي ولا تفاخر. ولا حتي توقع جائزة من أي نوع.
لمح الشهيد ـ في وقفته خارج المعسكر ـ إرهابياً لف حول وسطه حزاماً ناسفاً . أسرعت خطواته ناحية الساحة التي اصطفت فيها طوابير الجند. أدرك الشهيد اعتزام الإرهابي تفجير نفسه داخل المعسكر. جري ناحيته. واحتضنه. فشل الإرهابي في تنفيذ فعلته المجرمة. وأنقذ الشهيد زملاءه ليلحق بالشهداء في الجنة.
ذكرتني الحادثة بما أقدم عليه العشرات من الشهداء في حرب أكتوبر. كان الجندي يسبق زملاؤه إلي الأسلاك الشائكة التي أحاط بها العدو معسكراته وخنادقه. يتمدد علي الأسلاك يصعد زملاءه فوق الجسد الذي اخترقته الأسلاك. يقتحمون المكان قبل أن يلحظ العدو.
الفارق يبلغ حد التضاد بين معتنقي الأفكار الظلامية والمتحجرة. والحاقدين علي المجتمعات التي ينتسبون إليها. وبين المؤمنين بما يدعو إليه دينهم السماوي من السماحة والعدل. والحق في الحياة الآمنة. تجلي هذا الفارق في محاولة الإرهابي زرع الدمار بين شباب يدافعون عن الوطن . وإقدام شهيد علي بذل حياته. حتي لا يحقق الإرهابي هدفه.
أورع أمثلة النيل الإنساني. حين يدرك الشهيد معني الشهادة. وأنه يقبل علي التضحية بالنفس فداء لزملائه من المقاتلين. وفداء للوطن بالتالي. لا حسابات ولا توقعات سوي أنه فعل ما يمليه عليه واجبه.
تاريخنا المصري حافل بما لا يحصي من الأمثلة عسكريين ومدنيين. دفعوا حياتهم ثمناً لفكرة سامية. لم تشغلهم جسامة التضحية بقدر ما شغلهم الدفاع عن الوطن. وتحقيق النصر. بل إن من أدوا واجبهم. ولم يظفروا بالشهادة. عادوا إلي مدنهم وقراهم. يحيون وسط ناسهم ومواطنيهم. دون أن يداخلهم تفاخر ولا زهو. فهم لم يقدموا علي التضحية إلا دفاعاً عن القيمة النبيلة المسماة "الوطن".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف