محمد السيد عيد
قال الزعيم : ماذا تنتجون إذن؟ إن ماتفعلونه تخريب للوطن
في ذكري رحيله الخامسة والأربعين اشتاق ناصر لمصر، وأراد أن يعرف كيف صارت أحوالها في هذا العصر. فطلب السماح له بزيارة قصيرة علي أن يكون معه مرافق، ثقة وصادق. وكان هناك وافد جديد، علمه بالبلاد شديد فجعلوه له مرافقاً وتمنوا له أن يعود موفقاً.
قال الغيطاني لناصر أثناء الرحلة إن مصر قامت بثورتين في عامين، وأن لها الآن زعيماً شعبياً، محبوباً جماهيرياً، قام بمشروع كبير لازدواج القناة، وبدأ في مشروع الطاقة النووية الذي تمناه، واهتم ببناء جيش قوي ليكون أقوي لاعب إقليمي. واشتري الرافال، وحاملات الطائرات، والمدمرات، وكسر احتكار أمريكا للتسليح، لتكون مصر في وضع مريح. شعر ناصر بالإعجاب، وسأله باقتضاب : هل صارت مصر إذن بلا مشاكل ؟
قال : بل لديها مشكلة كبري تحتاج لحل عاجل.
قال ناصر : حددها لي بدقة متناهية.
قال : إنها المشكلة الاقتصادية.
ظهر علي ناصر الضيق، وقال للغيطاني : خذني إلي السوق.
سأله : هل تحب الذهاب إلي كارفور أم سبينس أم هايبر الكبير ؟
قال : هذه أسماء أجنبية. ألا توجد أسواق مصرية ؟
قال الغيطاني : هذه أسواق العصر.
قال ناصر : خذني إلي واحدة منها علي الفور.
في السوق رأي ناصر قسماً يبيع طعاماً مستورداً للكلاب. فخبط كفاً علي كف وقال تستحقون أن تكون عيشتكم كالهباب. بلدكم تحصل علي العملة الصعبة بالضالين وتشتري طعاماً للكلاب بالملايين ؟ ثم اتجها بعد ذلك لقسم الفواكه والخضراوات الطازجة فلم يصدق الزعيم مارآه من أشياء مزعجة، فالموز المستورد بلا حدود والتفاح المستورد لايقل عن عشرة أصناف بل يزيد، ومثلهما اليوسفي والبرقوق والعنب، مما أثار لدي الزعيم الغضب، لكن ما زاد من غضبه أنه رأي الثوم والخس والكابوتشي والجزر قد تم استيرادها من الصين، فصاح الطف بنا يارب العالمين. وسأل في عصبية : وأين الخضراوات والفواكه المصرية ؟ وكيف يرضي الفلاح المصري بهذه المهزلة العبثية ؟ واتجها بعد ذلك إلي قسم الأجبان، فذهل الزعيم لعجائب المصريين في هذا الزمان، فهذا جبن هولندي، وذاك دانماركي، وهذه لبنة تركية، وتلك فرنسية، فصاح الزعيم في غضب : هل كف المصريون عن الزراعة والصناعة، فهموني ياجماعة ! فقال الغيطاني بمرارة : لقد تركنا الصناعة واستبدلناها بالتجارة، واحتلت الصين في حياتنا الصدارة.
وذهبا إلي قسم الملابس الجاهزة والأحذية فوجدا الحالة مؤذية، فكل الأصناف صينية، وقد غابت المنتجات المصرية. قال الزعيم : ماذا تنتجون إذن ؟ إن ماتفعلونه هذا تخريب للوطن. ولم تشتكون من أزمة اقتصادية إذا كنتم لاتنتجون شيئاً بالكلية ؟
وزارا بعد ذلك قسم الألكترونيات، فوجد الزعيم أن مصر لم تنتج من معروضاته شيئاً بسحتوت، فسأل : وأين مصانع القطاع العام ؟ لماذا لاتنتج هذه المنتجات وتوفرون مليارات الدولارات ؟ قال له الغيطاني : لقد خصخصها السادات ومبارك في صفقات شابتها المخالفات. وهنا قال ناصر بحسم: إن حال البلاد يغم. وقرر أن ينهي جولته، لكنه قبل أن يرجع من رحلته رأي أن يزور الرئيس السيسي ليعطيه نصيحته. فلما التقاه حياه، وقال له إنه سمع عنه كل خير، لكن حال مصر لايسر، وإذا كان يريد أن تستقيم الأمور الاقتصادية فلا بد من إجراءات ثورية : أولها إلغاء استيراد السلع غير الضرورية فالمصريون لن يموتوا دون التفاح واللبنة التركية، وثانيها عدم استيراد أطعمة القطط والكلاب بالكلية، ولابد من إعادة القطاع العام ليكمل ماتعجز عنه الشركات الخاصة، وضرورة وقف الخصخصة، وعدم استيراد أي سلع تنتج مصر مثلها في القطاع الخاص أو العام. استمع السيسي لناصر باهتمام، وقال له كلامك تمام، وعاد ناصر لمستقره وبقي علي السيسي أن يحزم أمره.