المساء
مؤمن الهباء
البلد الوحيد
نحن البلد الوحيد في العالم الذي شهدت انتخاباته البرلمانية ظاهرة شراء المرشحين.. واعترف المشترون صراحة بأن من يملك المال هو الذي سيكسب الانتخابات.. ثم شهدت انتخاباته ظاهرة شراء الناخبين علنا أمام اللجان.. وأمام كاميرات المصورين.. وتصدرت صورة البائع والمشتري صفحات الجرائد.. ومع ذلك أغمضنا عيوننا.. فالمهم أن يكون عندنا برلمان.. وقد كان.
نحن البلد الوحيد في العالم الذي لم تقتصر فيه الرشاوي الانتخابية علي الزيت والسكر.. وإنما امتدت إلي الفياجرا والترامادول والحشيش.. وبعد ما كتبت الصحف بالتفصيل عن ذلك جعلنا أذنا من طين وأذنا من عجين.
ونحن البلد الوحيد في العالم الذي يقف فيه الناخب أمام قائمة المرشحين حائراً مذهولاً لأنه لا يعرف اسماً واحداً من الاسماء التي في القائمة.. وإذا كان محظوظاً ووجد اسماً يعرفه أعطاه صوته وهو سعيد جدا.. ربما لأنه رأه مرة علي شاشة التليفزيون.
ونحن البلد الوحيد في العالم الذي يتباهي فيه المرشح بأن برنامجه الانتخابي هو حب الوطن.. والناس تصفق له.. ألا يكفيك حب الوطن؟!
ونحن البلد الوحيد الذي يدخل فيه البرلمان نواب أميون ليدافعوا عن حقوق المثقفين والمتعلمين.. ونواب من رجال الاعمال ليدافعوا عن حقوق الفقراء والمساكين.. ونواب المزاجات ليدافعوا عن حقوق الشرفاء.. ونواب القروض ليدافعوا عن سعرالفائدة.
ونحن البلد الوحيد الذي وصل فيه عدد الأصوات الباطلة في انتخاباته ما يزيد علي نصف مليون صوت من جملة 8 ملايين ناخب أدلوا بأصواتهم.
نحن البد الوحيد في العالم الذي يسمح بالقاء مخلفات المصانع والزراعات والصرف الصحي في النيل.. ثم يقيم محطات لتنقية مياه النيل مرة أخري لتكون صالحة للشرب.
نحن البلد الوحيد الذي يسمح بانشاء مدارس أجنبية ومدارس دولية علي أرضه.. ويسمح لأبنائه بأن يلتحقوا بهذه المدارس وأن يقفوا لتحية علم كل دولة تتبعها هذه المدارس ويحتفلوا بأعيادها الوطنية.. فتتحول هذه المدارس إلي مستوطنات تعليمية تخترق العقول وتعبث بالهوية الوطنية.. ثم بعد ذلك تشكو من مرض التغريب وعدم الانتماء.
ونحن البلد الوحيد الذي يسمح بالبناء علي الأرض الزراعية.. وفي الوقت نفسه يدفع مليارات الجنيهات لاستصلاح الأرض الصحراوية واستزراعها.. ليس ذلك فقط.. وإنما يباع المتر في الأرض الصحراوية بأغلي من ثمن المتر في الأرض الزراعية.
ونحن البلد الوحيد في العالم الذي يدفع أبناؤه رسوماً للنظافة دون أن يجدوا نظافة.
ونحن البلد الوحيد الذي نلعن برامج التوك شو.. ونسخر من مقدميها علي الفيسبوك. . ونتهمهم بكل نقيصة.. ثم نعود لنجلس أمامهم مرات مرات ومرات.
نحن البلد الوحيد في العالم الذي يستطيع فيه أي شخص أن يتهم الآخر بالكفر أو الخيانة دون أي مساءلة قانونية.. ويستطيع أي شخص أن يتهم خصمة أو منافسه بأنه من الطابور الخامس وصاحب أجنده ولا يحب الوطن علي صفحات الجرائد.. ويمكن أن يصل الاتهام إلي حد تلقي أموال ورشاوي دون أي مساءلة قانونية.. فعلتها المستشارة تهاني الجبالي مع اللواء سامح سيف اليزل.. وفعلها الفنان أحمد بدير مع من هاجموا مسرحيته الأخيرة "غيبوبة".
ونحن البلد الوحيد في العالم الذي يمكن أن يموت فيه المواطن من الضحك علي نفسه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف