بوابة الشروق
حسن المستكاوى
القفز للمستقبل لا يصنع الأمل
** تثار قضايا يومية، وتبدو أحيانا مثل مناقشات أهل بيزنطة. يتناقش فيه طرفان دون أن يقنع أحدهما الآخر، ودون أن يتنازل كلاهما عن وجهة نظره. ومنذ فترة هناك جدل، تحول إلى صراع أجيال، بين الشباب، وبين«دولة العواجيز».. وتناول هذه القضية الزميل مجدى الجلاد فى «المصرى اليوم» تحت عنوان صناعة الأمل... ونخرج من المقال بأن الشباب لا يرون أى أمل، وأننا يجب أن نفتح لهذا الشباب طاقة الأمل وإلا لن يكون هناك مستقبل.. والواقع أن تعريف الشباب يجعلنا نقف أمام اتساع القاعدة، فهناك شباب فى المحافظات والأقاليم والقرى والنجوع يكافح، ويرضى بكفاحه، وهناك شباب فى الجيش والشرطة يضحى بحياته من أجل شباب لا يرى أى أمل.

** نعم الشباب لاتقنعه الأغانى، ولا تعيين بعضه كمساعدين لوزراء ولمحافظين. ولا يقنعه وجود بعضه بجوار الرئيس. والواقع أن إيقاع الدولة وإدارتها لتلك الأزمة مازالت قاصرة وشكلية وتقليدية، وتستند على الخطاب الإعلامى الهلامى الإنشائى.. فلا دفع للشباب إلى الصفوف الأولى.. وليس بالضرورة أن يكون مجلس الوزراء كله شبابا لكن نصفه كان يجب أن يكون من الشباب. ثم لماذا لا يصنع أصحاب الخبرات القرارات ونفسح الساحة للشباب لإعلان القرارات ومخاطبة الناس.. فمن أسف أن انطباع دولة العواجيز يرجع إلى احتلال وجوه هؤلاء العواجيز لمنابر الخطاب فى كثير من المواقع.

** التقصير فى إفساح الساحة للشباب سوء إدارة لأزمة لكن لماذا نحن فى هذا الحال الذى يغضب الشباب؟

** جاء عبدالناصر كى يصلح من آثار سنوات الملك والاستعمار، والإقطاع. وجاء السادات لإصلاح آثار اشتراكية عبدالناصر. وجاء حسنى مبارك لإصلاح آثار رأسمالية السادات وانفتاحه، وفكرته فى محاربة الفكر الشيوعى باستدعاء التيار الإسلامى. وكل إصلاح منذ عام عام 1952 غابت فيه الرؤية العلمية للمستقبل.. وأنا من جيل ضاع عمره وهو ينتظر الحرية والعدل والمساواة والديمقراطية الابتكار والإبداع . جيل شد الحزام طوال عمره، لأنه يخرج من معركة لمعركة. ومن حرب لحرب. ومن إصلاح لإصلاح. وكل إصلاح هو «عملية تصليح». كأن مصر سيارة بها عطب يحتاج إلى قطعة غيار. ومن نتائج هذا الإصلاح والتصليح أننا لم نصنع سيارة. ولم نعرف البناء للمستقبل.. إن عدم الكفاءة تسبب فى مشكلات مفزعة للبلد، ولا أنكر أن من حاول الإصلاح فعل ذلك بحسن نية، وربما بشعور وطنى. لكن النيات والمشاعر لا تبنى الأوطان ولا تصنع المستقبل.

** لن أتحدث عن التعليم وكارثته ولا الصحة وكوارثها.. فدولة مثل ماليزيا صنعت نهضتها بالتعليم وطورته فى 25 عاما.. ولكنى أضرب مثالا واضحا للنيات الساذجة فى إدارة الدولة على مدى 50 عاما وضيعت مليارات.. فالنية الحسنة جعلت حكومات متتالية تبنى غابات أسمنتية فى الساحل الشمالى وعلى ساحل البحر الأحمر، فأهدرنا مليارات فى بناء غير اقتصادى وغير استثمارى بينما دول أخرى صنعت مقاصد سياحية على شواطئها، فعمرت تلك الشواطئ فى اليونان وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا وريودى جانيرو.. وماتت شواطئنا وهى الأجمل والأفضل طوال العام.. إنها الرؤية القاصرة وعدم الكفاءة.. وستدفع الأجيال القادمة ضريبة هذا القصور فى الإدارة.

** مصر الآن تبنى و لاتصلح رغم ظروفها الاقتصادية المؤلمة والصعبة والبناء مستقبل. والإصلاح عمل حاضر مؤقت. وهكذا قناة السويس بناء. إقليم القناة بناء. شرق بورسعيد بناء. محطات الكهرباء بناء. خمسة آلاف كيلومتر من الطرق بناء. الريف المصرى الجديد بناء. المطارات الجديدة بناء. تغيير مفهوم العمل الشرطى بناء..هل يفترض أن ينتهى البناء فور الشروع فيه أم أن البناء يستغرق وقتا ويتطلب صبرا وانتظارا بأمل؟!

** تبقى نقطة أخيرة وهى أن بعض الشباب غير قادر على الانتظار.. هو يريد أن يرى الأمل حاضرا وهو يظن أن مجرد المعرفة تمنحه درجة العلم. وهو أيضا يظن أن واقع عصره الأسرع من عصرنا يدفعه إلى القفز للمستقبل.. والقفز للمستقبل لا يصنع الأمل؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف