عندما تكتب إلي الرئيس فالمؤكد أن الخطب جلل.. كم كنا نتمني لو كان من حول الرئيس مثل الرئيس.. قلنا ونعاود القول إن هناك فارقاً شاسعاً في كل شئ بين القائد والحكومة.. ليس فقط في الاداء وإنما أيضاً في التفكير وأخشي أن يمتد الفارق إلي الاخلاص.. كنا نود أن نترك الرئيس عبدالفتاح السيسي للمهام الثقيلة والكبري. ولكن ماذا نفعل إذا كان بعض اعضاء الحكومة يسيرون أحياناً في طريق مختلف. ولا يستوعبون ما بين السطور في كلام رئيس الجمهورية.
في الوقت الذي تحدث الرئيس منذ أيام عن طموحات مصر وتحدياتها في المرحلة المقبلة. وأشار إلي مشروع محطة الضبعة النووية العملاق. وعن عزم الدولة بناء مساكن لشباب العاملين في المشروع.. في هذا الوقت أو قبله بقليل كان قرار وزارة الكهرباء بعدم صرف مستحقات المحالين إلي المعاش من العاملين بمحطات الكهرباء. قبل تسليم المسكن الذي كانوا فيه. وبالتالي ليس أمام هؤلاء الذين هجروا بيوتهم وقراهم ومدنهم في زمن سحيق. سوي أن يناموا في الشارع اليوم.
القرار مجحف وتوقيته في غاية السوء. والغريب ان القرارجاء تفعيلاً لقرار وزير الكهرباء الاسبق في زمن مبارك عام 2006 وهو القرار الذي أجبرت دولة مبارك علي عدم تطبيقه استجابة للمنطق والانسانية.. اليوم فقط نضعه حيز التنفيذ دون ان يكون لوزير الكهرباء الجديد قرار أو وقفة.. اليوم باتت قرارات حكومة مبارك واجبة النفاذ. ولم يرض مبارك بتنفيذه وقال قوله يحفظها العمال "أنأخذهم لحماً ونرميهم عظماً".
المأساة تتجسد فصولها في قطاع محطات دمنهور بزاوية غزال التابع لشركة غرب الدلتا لانتاج الكهرباء. حيث كانت بداية الشرارة التي قد تنذر بكارثة فالعمال والفنيون والعاملون مازالوا يصدقون أن ما اتفقوا عليه من أيام الزعيم الراحل جمال عبدالناصر لن تتراجع عنه الدولة معظم العاملين في محطة زاوية غزال. وهي واحدة من أشهر محطات الكهرباء في العالم. جاءوا إليها من بلاد متفرقة.. من محافظات مختلفة ومنهم من عمل بها منذ عام 1960 ووقتها سلمتهم الدولة المساكن والتي يطلق عليها "المستعمرة" وكانت وقتها بعيدة عن العمران وعن الناس. لكنهم ارتضوا العيش في العزلة. وصنعوا عالمهم الخاص وعاشوا بالقرب من عملهم وكانوا في ليالي الشتاء يستيقظون ليلاً لاصلاح عطل ما هنا أو هناك.. حياهتم صارت الكهرباء و "المستعمرة".. هذه تطل علي تلك وتلك تطل أبراجها علي هذه وحولها تربي أبناؤهم وأكملوا مسيرة الاباء والاجداد في إخلاص نادر ووفاء يستحق اليوم أن نحتفي به. لا أن نطرد هؤلاء العمال أو أسرهم بعد وفاة راعي الاسرة إلي الشارع.
في "مستعمرة زاوية غزال" مازال هناك عم سعد وعمره حوالي 80 عاماً وزكي افندي عوض الله وعمره 82 عاماً والقرار أيضاً يطرد هؤلاء وغيرهم إلي الشارع فقد انتهت المهمة. وباتوا كخيول الحكومة علينا ان نرميهم بالنار سيدي الرئيس: أجزم ان ما يحدث لقاطني تلك المجمعات السكانية.. مجمعات الشرف والعطاء والعزة والكرامة.. لا يرضيك وأجزم ان الكهرباء بما تفعل لاتستوعب تفكير الرئيس ولاتساير نتهج الرئيس فكيف يثق الشباب الذين نبني لهم اليوم في الضبعة أو غيرهم فينا. ونحن نطرد الاباء والاجداد.
أخيراً.. لا أدري ماذا يريد من وراء القرار من إثارة بلبلة بدأت شرارتهافي محطة زاوية غزال وقبل شهر من يناير الذي يتربص له المتربصون وأعداء الوطن خاصة وان "المستعمرات" تلك في كل ربوع مصر تقريباً.. إن كان يدري فتلك مصيبة وإن لم يكن يدري فالمصيبة اعظم وفي كل الاحوال لاتحرموا الصابرين حتي من صبرهم.
كلمة أخيرة في "مستعمرة" زاوية غزال قال لي العمال: هل يمكن ان يحرمنا الوطن من "الوطن"؟