كان عنوان الخبر مفزعاً: "الجمارك تحبط تهريب أكثر من 400 مليون سيجارة مسرطنة من أوروبا".. شكراً لرجال الجمارك بلا شك.. ولكن 400 مليون سيجارة مسرطنة يتم ضبطها خلال عام واحد.. من يوليو 2014 إلي يونيه 2015 هذه مصيبة كبري.. لمصلحة من؟!.. ومن المستورد الفاجر. أو المستوردين. الذين أعادونا مرة أخري إلي زمن المسرطنات؟!.. ولماذا نحن بالذات الذين يستهدفوننا بهذه النفايات المسرطنة؟!
ثم.. إذا كان هذا هو الجزء الظاهر من جبل الجليد فماذا عن الجزء الخفي؟!.. ماذا عن الكميات التي دخلت مصر فعلا واستهلكها الشعب المسكين المعتل صحياً واقتصادياً وثقافياً بما فيه الكفاية؟!.. ومعروف أن الجزء الظاهر من جبل الجليد ليس إلا القمة.. لكن جسم الجبل مازال خافيا.. بمعني أن ما لا يتم ضبطه أكثر بكثير ـ دائماً ـ مما يجري اكتشافه.
كان من المفروض أن تفزع مصر كلها لهذا الخبر المسرطن.. وتعلن جميع الأجهزة المعنية حالة الطوارئ.. فهل لدينا أغلي من الإنسان "المواطن"؟!.. وكان لابد أن تعطي الصحف وبرامج الفضائيات هذه القضية ما تستحقه من تحليل ومناقشة ومتابعة لمعرفة الحيتان التي تقف وراءها بدلاً من الغثاء الذي تلقيه علينا كل ليلة هذه البرامج التافهة.
لجأت إلي الشبكة العنكبوتية "الإنترنت" للبحث عن تفاصيل أكثر بخصوص هذه الكارثة "السجائر المسرطنة" في مصر.. فأحالتني الشبكة إلي موقع "اليوم السابع" حيث عشرات العناوين تتعلق بالعام الحالي وحده:
* 11 نوفمبر : حبس صاحب محل بالإزبكية 4 أيام لاتهامه ببيع سجائر مسرطنة ومهربة جمركياً.
* 4 نوفمبر : ضبط 106 آلاف سيجارة مسرطنة بحوزة صاحب مخزن بأسيوط.
* 11 أكتوبر : ضبط 49 ألف علبة سجائر مسرطنة في نفق الشهيد أحمد حمدي.
* 20 يوليه : ضبط 15 مليون علبة سجائر مسرطنة بالإسكندرية.
* 21 مايو : إحباط تهريب 30 مليون سيجارة مسرطنة بميناء بورسعيد.
* 18 أبريل : نيابة الإسكندرية تحقق في محاولة تهريب 25 مليون سيجارة مسرطنة.
* 5 مارس : إعدام 9 ملايين سيجارة مسرطنة بعد ضبطها في ميناء العين السخنة بالسويس.
قلت في نفسي: "هذا يكفي".. وهممت أن أغلق الصفحة.. لكن جهاز الكمبيوتر أبي أن أغادره قبل أن يزيدني من الشعر بيتاً.. وأخذني إلي نوع آخر من الأخبار المسرطنة تحت عنوان "إحباط محاولة رجل أعمال لترويج قمح مسرطن".. حيث تمكنت أجهزة الأمن في دمياط ـ مشكورة ـ من ضبط 8 آلاف طن قمح مستورد فاسد ومسرطن داخل مخازن يمتلكها رجل أعمال شهير داخل ميناء دمياط.
أغلقت الجهاز وعدت إلي الصحيفة الورقية التي أمامي ففاجأني عنوان عريض في صدر صفحتها يقول: "كتاكيت مسرطنة بالدقهلية.. الخسائر بالملايين وأصحاب المزارع يحررون محاضر ضد الشركة الموردة".
يا إلهي.. ما هذا الطوفان السرطاني؟!.. هل هي موضة أم ظاهرة؟!.. كنا في الماضي نسمع فقط عن المبيدات والتقاوي المسرطنة القادمة من إسرائيل.. والآن صارت هناك سجائر مسرطنة وأقماح مسرطنة وكتاكيت مسرطنة.. ناهيك عن السموم الأخري.. الهيروين والكوكايين والترامادول.. إلخ.
ماذا ستفعل بنا حيتان الاستيراد ورجال الأعمال أكثر من ذلك؟!!.. ألا تكفيهم المليارات التي نهبوها دون محاكمات وعقوبات.. من يستطيع أن يمول هذه الصفقات القذرة غير المليارديرات؟!.. لماذا لا يعدم من تثبت عليه تهمة استيراد المسرطنات في ميدان عام ليكون عبرة لغيره؟!