الجمهورية
د. أحمد جاد منصور
مصر تتقدم دولياً في مكافحة الفساد
يعد الفساد بجميع أنواعه من أهم المشكلات التي تواجه مصر حالياً ويحد إلي درجة كبيرة من فرص النجاح والتنمية والتقدم.. وكلنا يعلم أن معاناة مصر من هذه الآفة الخطيرة ترجع إلي فساد الأنظمة السابقة التي سمحت بانتشاره وتغلغله في مفاصل الدولة.. ولم تكتف بذلك بل سمحت بتقنين الفساد من خلال صدور العديد من القوانين واللوائح المليئة بالثغرات التي منحت الفرصة للفاسدين أن يفعلوا ما يحلو لهم دون خوف من المسئولية والعقاب. وإسباغ المشروعية علي تصرفات هي بالتأكيد غير سليمة وغير مشروعة وتؤدي إلي الاستيلاء دون حق علي أموال الدولة وإهدارها وضياع حقوق المواطنين.
ومن أهم الجهات الرقابية في الدولة هيئة الرقابة الإدارية وهيئة النيابة الإدارية والجهاز المركزي للمحاسبات الذي يتولي الرقابة المالية علي كل جهات الدولة. كما أن هناك جهات رقابية أخري في الدولة تمارس أنواعاً أخري من الرقابة مثل الإدارة العامة لمباحث الأموال العامة بوزارة الداخلية ورقابة البرلمان علي الحكومة لمنع الفساد السياسي والمالي والإداري ورقابة القضاء العادي والإداري علي التصرفات والأفعال والقرارات المخالفة للقانون.. إضافة إلي الرقابة التي يمارسها الرأي العام ووسائل الإعلام المختلفة.
ونؤكد أن العبرة ليست في كثرة عدد الجهات الرقابية بالدولة.. وإنما تكون العبرة باستقلالها التام عن أي جهة تنفيذية في الدولة.. وأن يكون لها شخصية معنوية مستقلة.. وأن تمارس اختصاصاتها من خلال قوانين صارمة علي أعلي مستوي من الدقة.. وأن يتم تطبيقها علي كل من يخالفها دون استثناء.
والخبر السار الذي يفتح لنا باب الأمل ويؤكد أن مصر قادرة علي مكافحة الفساد.. أنها تقدمت عشرين مركزاً في قفزة واحدة في تصنيف الدول التي تكافح الفساد وأصبحت في المركز "94" في عام 2014 بعد أن كانت تحتل المركز "114" في عام 2013 من بين "145" دولة من دول العالم التي يشملها التصنيف.
ويتم هذا التصنيف لدول العالم بمعرفة منظمة دولية تسمي "منظمة الشفافية الدولية" وهي منظمة ألمانية مقرها في برلين تأسست عام ..1993 وهي منظمة أهلية غير حكومية مستقلة تضم في عضويتها شخصيات وموظفين علي أعلي مستوي من الشفافية والكفاءة.. وهي تعمل وفق ضوابط موضوعية محددة يتم علي أساسها ترتيب وتصنيف الدول من حيث درجة الشفافية ومكافحة الفساد.ومن بين هذه الضوابط.. عدد قضايا الفساد في الدولة.. ومدي فاعلية القوانين المتعلقة بمكافحة الفساد.. وتوافر الآليات التنفيذية والهيئات المعنية بالرقابة علي الأداء السياسي والإداري والمالي بالدولة ومدي فاعليتها واستقلاليتها.. وأيضا تتواصل مع رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب والوطنيين بالدولة للوقوف علي رأيهم بشأن مدي توافر الشفافية وتبسيط الإجراءات والوفاء بالالتزامات في كل ما يتعلق باستثماراته.. وغير ذلك من الضوابط.
وتجدر الإشارة إلي أن التصنيف الذي تعلنه المنظمة يكون محل اعتبار كبير ويؤخذ في الحسبان من قبل المنظمات الدولية والإقليمية والدول المانحة للقروض والمنح والمساعدات.. وكذا من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.وقد صرحت المنظمة في تقريرها الأخير الصادر عام 2014 بأن مصر من أكثر الدول التي أحرزت تقدماً في مكافحة الفساد هذا العام.. وهذا هو السبب في تقدمها في التصنيف عشرين مركزاً في قفزة واحدة خلال عام واحد.. ورغم الإيجابية التي ينطوي عليها هذا التصريح إلا أننا مازال أمامنا الكثير والكثير في مكافحة الفساد لنصل إلي المعايير الدولية والشرق أوسطية وفقاً للمعايير التي تشترطها المنظمة.
ولا شك أن هذا التقدم الذي أحرزته مصر يرجع إلي أننا بدأنا نخطو في الطريق الصحيح ويعكس إصرار الدولة قيادة وحكومة علي مواجهة الفساد وشن حرب حقيقية عليه.. ولكنني أؤكد أيضا أن شعب مصر العظيم كان سبباً رئيسياً في هذا الإنجاز لأنه بقيامه بثورتي 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 اتخذ عدة قرارات مصيرية من بينها عدم قبول الفساد مرة أخري وعدم الخضوع له. بل ومواجهته والإبلاغ عنه.. معرباً عن إرادته الأكيدة في التخلص من هذه الآفة الخطيرة التي تهدر أموال الدولة وتؤثر إلي حد خطير ليس علي مستوي أداء الخدمات للمواطنين.. وإنما علي حقوقهم وحرياتهم الأساسية وعلي مستوي المعيشة بالكامل.. الأمر الذي يشكل تهديداً جسيماً للأمن القومي للبلاد.
وفي نظرة عابرة علي تصنيف منظمة الشفافية الدولية لدول العالم وترتيبها لدول المجتمع الدولي من حيث الشفافية ومكافحة الفساد نجد الدنمارك تتربع علي عرش الصدارة.. تليها نيوزيلاندا في المركز الثاني. ثم فنلندا في المركز الثالث. بينما احتلت ألمانيا المركز الثاني عشر وهو ما يعكس مصداقية هذه المنظمة الألمانية في أدائها لعملها.. وتأتي الولايات المتحدة الأمريكية في المركز السابع عشر.. بينما احتلت الصين مركزاً متأخراً لأنها تعاني من الفساد بدرجة كبيرة.. وإن كانت قد اتخذت مؤخراً حزمة من الإجراءات الصارمة لمواجهته.
كما تراجعت تركيا تراجعاً كبيراً بسبب عدد من قضايا الفساد التي تم الكشف عنها مؤخراً.. ومن بينها بيع عدد من أراضي المحميات الطبيعية لإقامة منتجعات سياحية وفندقية عليها وثبوت تورط عدد من كبار المسئولين بالبلاد واستفادتهم من ذلك.. إضافة إلي ما قام به أردوغان من إنهاء خدمة عدد كبير من قيادات رجال الأمن في تركيا دون مبررات مقبولة ودون اتباع الإجراءات القانونية.. مما أدي إلي توجيه اللوم الشديد 30له من الاتحاد الأوروبي.. وأثار جدلاً واسعاً بشأن تغلغل الفساد السياسي واستخدامه في إدارة شئون الدولة لتحقيق أهداف شخصية.ونجد كل من كوريا الشمالية والصومال تأخذ مكانها في ذيل قائمة التصنيف.. لأن كل منهما تعاني من تفشي الفساد بدرجة كبيرة في مفاصل الدولة المختلفة.وفي ذات السياق الخاص بمواجهة الفساد تجدر الإشارة إلي أنه صدر مؤخراً قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية بتعيين السيد محمد عمر هيبة رئيس هيئة الرقابة الإدارية السابق مستشاراً لرئيس الجمهورية لمكافحة الفساد بعد انتهاء فترة عمله رئيساً للرقابة الإدارية حتي يضطلع بمتابعة وضمان تحقيق التعاون والتنسيق بين هيئة الرقابة الإدارية ومختلف الأجهزة المعنية بالرقابة في الدولة.. إضافة إلي تقديمه مقترحات وأفكاراً عملية لتطوير منظومة مكافحة الفساد بوجه عام.
وفي مجال تحليل مبررات إصدار هذا القرار يمكن القول إن هناك إصراراً وإرادة وطنية خالصة علي مكافحة الفساد والقضاء عليه.. وأن تختص جهة عليا في الدولة تتولي التنسيق الكامل مع جميع الجهات المعنية بالرقابة بالدولة لتوحيد الجهود وتكثيفها للقضاء علي كل الأورام الخبيثة ومظاهر الفساد المختلفة المتفشية في العديد من مفاصل الدولة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف