الوطن
أمينة خيرى
على هامش البرلمان الوليد
عن نفسى، تنفست الصعداء وأشرق وجهى بنور غريب وامتلأت نفسى بحماسة غير معتادة.. انتهت الانتخابات وبات انعقاد الجلسة الأولى من البرلمان وشيكة. لم أتخلف عن الإدلاء بصوتى فى الجولة الأولى، وكذلك فى الإعادة. ولم تنل من عزيمتى همسات الأصدقاء المشككة فى الجدوى، أو وسوسات الأقارب المنددة بالفحوى. بصراحة شديدة رأيت الهدف الأسمى والأعظم الانتهاء من البرلمان بأى شكل كان، شرط ألا يكون الشكل خالطاً الدين بالسياسة أو مازجاً جنة اختيار هذا المرشح بجهنم الانحياز لذاك المنافس. وكل ما عدا ذلك، فهو مقبول لحين إشعار آخر. واحتفالاً بالإنجاز واحتفاء بالإتمام ألخص ملاحظاتى البرلمانية:

■ التعالى الافتراضى والعنجهية الفيسبوكية والهبد والرزع التويترى.. تظل مغلقة على ذاتها مقتصرة على أبنائها بعيدة كل البعد عن جمهورها المرجو. فالمغردون والمدونون على أثير الإنترنت الذين يطغى على الكثيرين منهم نبرات التعالى على الشعب «الجاهل» والناخب «المستكين» والمواطن «المضحوك عليه» والجموع «إللى هتودينا فى داهية باختياراتها الحمقاء» سيظلون حبيسى خيوط العنكبوت.

■ خيوط العنكبوت لا تقف وحدها على الجانب الآخر من القواعد الشعبية، بل تقف معها خيوط إعلامية ونخبوية عدة ترى فى نفسها مرجعيات ثقافية ومناهل تربوية ومقاصد تعليمية. وقد ثبت أن لهجة التهديد والوعيد ونبرة التبكيت والتنكيت اللتين اتبعهما البعض فى محاولة مستميتة لدفع الناخبين للنزول لا تلقى سوى حوائط صد وآذاناً مسدودة.

■ التكرار لا يعلم الشطار بالضرورة، بل يجلب الأغبياء ويجذب الببغاوات أحياناً. وقد عانت مصر على مدار الأعوام الخمسة الماضية من ظاهرة التكرار المرضى وإعادة التدوير الفيروسى للعبارات المقولبة والمصطلحات سابقة التعليب مثل «الحوار المجتمعى» و«الانشقاق الوطنى» (وفى مرحلة لاحقة «الاصطفاف الوطنى») و«الفصيل السياسى» والقائمة طويلة جداً. لكن حكاية «المال السياسى» و«الرشاوى الانتخابية» و«شراء الذمم الشعبية» -التى ذاع صيتها فى الموسم الانتخابى الأخير- استفحلت وتوحشت وتوغلت وباتت أكبر من الظاهرة نفسها، لدرجة جعلت البعض يعتادها إلى درجة التعايش السلمى والوجود الإنسانى. وقد قال لى سائق الأجرة إنه بصراحة ذهب لينتخب أملاً فى أن يجد هناك مالاً سياسياً أو رشاوى انتخابية، لكن للأسف لم يجد. وسواء فعل ذلك جدياً أو كان يمضى الوقت بأحاديث هزلية، فإن الأمر يشير إلى اعتياد شعبى للمسألة التى لا تؤرقه أو تزعجه أو تستوقفه. كما أنها لا تشكل بالنسبة له -وهو الشعب المتدين بالفطرة الذى يعرف ربنا بالسليقة- مشكلة أخلاقية أو أزمة دينية.

■ كبار السن والمرأة ليسوا فئات خاصة أو أقليات إثنية أو عرقية. كما أنهم ليسوا موصومين بسبب التقدم فى العمر أو تركيبة الكروموزومات. هم فئات من الشعب تصادف -ولحسن الحظ- أنهم يتمتعون بقدر بالغ من المفهومية وكم هائل من الوطنية تجعلهم يتوسطون المشهد الانتخابى. هم ليسوا سبة فى جبين الوطن أو وصمة فى واجهته، بل العكس هو الصحيح. والدق على أوتار «لم يذهب أحد إلا المسنين» أو «لم يوجد أحد إلا النساء» هو فى الحقيقة وسام على صدور من ذهب، وصفعة على وجوه المنكتين والمنظرين والمأنتخين.

■ رغباتى الشخصية وأحلامى غير الواقعية كانت ترسم صورة للبرلمان تختلف عن الصورة التى نحن بصدد رؤيتها تحت القبة. لكن الرغبات لا تشكل برلمانات والأحلام لا تصنع النواب. ودون ذكر أسماء أو تحديد نواب نجحوا فى حجز مقاعد لأنفسهم، فقد استمعت إلى إشادات وثناءات على أسماء بعينها كنت أعتقد أن كل من له عقل وبصيرة لا يقبلها ومن ثم يستحيل أن يعطيها صوته. لكن العكس هو الصحيح، وهو ما ظهر جلياً فى عدد الأصوات الكبير وغير المتوقع لشخصيات مثيرة للجدل.

■ وعلى هامش الانتخابات وأجوائها، برع مراسلو الفضائيات فى العمل والتجوال على اللجان فى المحافظات فكانوا نجوم الانتخابات البرلمانية دون شك. هذه النجوم ساهمت فى إلقاء الضوء على ما يدور فى أدمغة البعض من المسئولين ممن كانوا يتفقدون اللجان. أحدهم -وهو محافظ محافظة فى دلتا مصر- قال غير مرة إنه يوجه التحية لكل من توجه إلى اللجنة الانتخابية ليقوم بواجبه الوطنى الذى يقف على طرف نقيض من الشباب الجالس على القهاوى والمكتفى بالتنظير على فيسبوك دون جدوى أو طائل. وعلى الرغم من أن ما قاله السيد المحافظ فيه جانب من الصحة، ويعكس توجهاً شعبياً فى الشارع، إلا أن جزءاً من مهمة المسئول جذب ثقة الشباب واهتمامهم. وإقصاؤهم بهذا الشكل مرفوض تماماً.

■ المؤكد أن الرسالة الأقوى فى هذه الانتخابات هى أن مصر قادرة على تنظيم عملية انتخابية محترمة. والمقصود بالعملية الانتخابية هنا هو إجراءات التحضير والتنظيم والتأمين. أما محتوى العملية نفسها، فهذه مسئولية الجميع.

■ الجميع ممن يرفض أو يسخر أو ينتقد البرلمان الوليد باعتباره مشوهاً أو قبيحاً أو غير ممثل للجميع (إلى آخر القائمة) عليهم أن يسألوا أنفسهم عما فعلوه ليخرج البرلمان أشيك وأحلى وأنقى وأطهر؟ هناك من يتحدث عن «إقصاء» و«إبعاد» و«منع» و«تهديد» لتيارات بعينها أو أسماء دوناً عن غيرها لمنعها من خوض الانتخابات. تسألهم عن كينونة المنع، فيأتى الرد: «منع غير مباشر» أو «فلان أبلغ علان يقول لترتان إياه والنزول» أو «ماهى واضحة زى الشمس». لكن الحقيقة أنها ليست واضحة إطلاقاً. وواجب على كل من لديه دليل قاطع على المنع أو الإقصاء أو التهديد أن يجاهر به حتى يكون رمزاً للوطنية وقدوة للبشرية.

المؤكد أن الرسالة الأقوى فى هذه الانتخابات هى أن مصر قادرة على تنظيم عملية انتخابية محترمة. والمقصود بالعملية الانتخابية هنا هو إجراءات التحضير والتنظيم والتأمين. أما محتوى العملية نفسها فهذه مسئولية الجميع
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف