عزت ابراهيم
الجاليــات المصــرية فى طــابور الانتظـــار!
توقفت الأسبوع الماضى عند مسألة تأهيل الأعضاء الجدد فى مجلس النواب للقيام بزيارات خارجية ناجحة تكون اضافة للسياسة الخارجية المصرية وتخدم أهداف بناء دولة حديثة، ولا ينفصل عن تأهيل النواب أيضا اعادة بناء العلاقات مع الجاليات المصرية فى دول العالم المختلفة واعتبارها قيمة مضافة بقدرات هائلة تكون عوناً فى تسويق صورة جديدة للمجتمع المصرى فى ظل ارتباك وصورة أقليمية قاتمة تحوط بنا من كل جانب. غياب الصلات مع الجاليات ليس فى صالح المجتمع المصرى فى الداخل، وبعثرة الجهود دون الاستفادة من المصريين فى الدول الغربية، على وجه التحديد، هو اهدار كبير للقدرات فى وقت لا يحتمل التفتيت.
فى زيارات خارجية خلال الأشهر القليلة الماضية قادتنى الى واشنطن ثم دبى وأخيرا بروكسل لاحظت أن الأداء الرسمى ازاء الجاليات المصرية لم يتغير كثيراً رغم ما جرى من تطورات فى العامين الماضيين، فهناك من يريدون تقديم خبراتهم وتوظيف خبراتهم بما يخدم الداخل الا ان حالة التوهان فى التعامل مع القدرات المبعثرة تسيطر على المشهد رغم خطورة ما يجرى فى عواصم كبرى على الأوضاع فى مصر. بلا مواربة، مصر لم تستفد بأبنائها فى الخارج كما يجب وأدوات الضغط على الداخل المصرى كثيرة ويشارك فيها مجموعات معادية للتحولات الأخيرة فى البلاد وهؤلاء وجودهم على الساحة الاعلامية وفى أروقة البرلمانات الغربية لا يمكن انكاره، والحل الأمثل هو تقوية الصلات مع الجاليات المصرية على نطاق واسع واشراكهم فى التقديم العاقل والمحترف لما يجرى على أرض مصر بلغة يفهمها الغرب وليس بالضجيج والصخب والمونولوج الداخلى الذى لا يسمعه أحد فى الخارج!
فى واشنطن على سبيل المثال، يحتاج الكونجرس الأمريكى الى لوبى مصرى ضاغط من أجل وقف سيل الأكاذيب المدفوع الثمن من جهات عديدة، والتى تفتح لها قاعات الكونجرس لاقامة ندوات وجلسات استماع يشارك فيها بعض المطلوبين للعدالة فى مصر وبعض الباحثين الذين يكنون عداءً غير عادى لما حدث بعد 30 يونيو وفى غياب أطراف تدافع عن التحول الذى تدعمه غالبية ساحقة من المصريين يكون الصوت الواحد الرافض للتحولات الجارية مرهقا ومزعجاً للسياسة الخارجية المصرية ويشكل قيداً على الاستثمارات والاقتصاد المحلي. فى بروكسل، تفتح الأبواب للمجموعات الرافضة للتغيير فى مصر لتقول ما تشاء فى جنبات المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبى بما يرسخ لدى بعض السياسيين فكرة أن هناك معارضين كثيرين للسلطة وتعطى انطباعا أن ورقة تيارات الاسلام السياسى يجب أن تبقى على مائدة الحوار والتفاوض مع القاهرة لأن لها أنصارا فى الخارج وهو ما يراه سياسيون غربيون بمنزلة مؤشر على وجود تأييد لتلك الجماعات فى الداخل على خلاف الواقع على الأرض.
اعتدنا فى الماضى ان نقول إن تلك جماعات منظمة تعرف كيف تتحرك فى الأوساط الغربية، فما هى حجتنا كدولة اليوم ونحن نرى تلك المجموعات المريبة تنظم جهودها لعرقلة العلاقات مع العالم. المصريون فى دول العالم يريدون أن يشعروا بالقوة «الناعمة» المصرية فى الفن والفكر والثقافة حتى يتعمق لديهم الشعور بخصوصية الانتماء الى مشروع أكبر هو اعادة بناء الدولة على أسس أكثر تحضراً، فلا تبخلوا على الوصول الى قطاعات واسعة فى الخارج تتعلق عيونهم بالفضائيات المصرية لمعرفة ما يجرى فى بلدهم دقيقة بدقيقة. شاشات الفضائيات لا تكفى وحدها، فهؤلاء يريدون تفاعلا واشتباكا مع الأحداث وأن نتحدث اليهم وجها لوجه ونجعل منهم مواطنين فاعلين لخدمة المصالح الوطنية. تغيير العلاقة يحتاج الى جهد يبدأ من السفارات والقنصليات والمراكز الثقافية والأخيرة يوجد منها عدد لا بأس به فى العواصم والمدن الكبرى ومن الأفضل تحريرها من قبضة روتين التبعية لوزارة التعليم العالى واقتصار دورها، فى الغالب، فى الاشراف على البعثات الخارجية دون فاعلية فى تقديم القوة الناعمة المشار اليها. ربما يكون البعض يعمل بالفعل ويحاول ولكن جهوده تذهب فى الهواء بلا عائد على صورة مصر.
نحن فى حاجة الى حملة ترويج ضخمة تشارك فيها الجاليات المصرية ويبتعد عنها كل المشتاقين الى مناصب أو الطامعين فى مكاسب مادية من السلطة لأن تلك الشخصيات انكشفت أمام الجاليات وتسببت فى خسارة قطاعات بعينها. فى المقابل، هناك شرائح شابة فى الخارج يمكن الاقتراب منها بلغة جديدة، فليس صحيحا أن بعضهم يميل الى رفض ما يجرى أو أن انتقاداتهم «مغرضة» لكنهم يريدون، فى المقام الأول، من يشرح لهم ويتواصل معهم ويحملهم جزءًا من حلم بناء دولة يفخرون بها أمام الآخرين فى الخارج. نحتاج الى مهمة عاجلة لتحرير العلاقة مع الجاليات المصرية من الروتين الحكومى ومن انتهازية البعض!.