- الزمان: 1925، والشاعر: حافظ إبراهيم، والسطور: قصيدة «مصر تتحدث عن نفسها.. والمعنى ما زال صحيحاً:
[أنا إن قدّر الإله مماتى
لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى
ما رمانى رامٍ وراح سليماً
من قديم عناية الله جندى
كم بغت دولة علىّ وجارت
ثم زالت وتلك عقبى التعدى].
- الزمان: 2015، والبطل: سلاح الجو المصرى، والمهمة: رد الاعتبار، والرسالة: «مصر تسترد هيبتها» فى لحظة فاصلة تجمعنا للتصدى لمحاولات التفكيك التى يقف وراءها قوى الشر فى محاور إقليمية وعالمية، ننطلق منها إلى بناء وطن على قواعد موضوعية ليسترد موقعه الذى يستحقه، ويعوض السنين التى أكلها الجراد، ويخرج إلى النهار، بعد أن أثخنته جراح كثيرة ممن تنكروا له ومن يترصدونه.
هى لحظة للتوقف والتدبر وإعادة قراءة وتحليل تجاربنا التى جزناها منذ عرفنا الدولة (محمد على 1805)، لنقف على نقاط القوة ونقاط الضعف بموضوعية، وشفافية وجدية، فى ظل التقلبات الحادة التى كانت العنوان الرئيسى لأنظمة حكم متتالية أو قل «تجارب إدارة دولة» ما إن تبدأ حتى تتغير، حتى بعد أن انتقلنا من الملكية إلى الجمهورية، فلم تكتمل التجربة الناصرية التى قطعت المد شبه الليبرالى، فإذا بالسادات ينقلب عليها، ويواصل الإبحار بعيداً عن مدنية الدولة، فى مغازلة صريحة لليمين الدينى، ثم تغشانا مرحلة القصور الذاتى التى تعمق الفساد وتفتقر للرؤية، لتنفجر حمم الغضب التى تجمعت فى لحظة دون أن تملك رؤية أو برنامجاً أو هدفاً محدداً، اقتربت من «الهوجة» وانزلقت إلى الشخصنة والتبسيط المخل، واستراحت إلى أن إزاحة مبارك فيها الكفاية، لتستيقظ على كارثة اختطاف الوطن بجملته، لولا صحوة 30 يونيو بعدما تحول الخطر من استهداف حقوق إلى استهداف وجود.
كانت تجارب الأنظمة مجرد محاولات تحكمها رؤى ضيقة وشعارات مفرغة من مضمونها، وعبرها تكونت قشرة مدنية على جسد مهلهل، رجعى متطرف لم يبرح نطاق التجربة العثمانية فى شيخوختها، كان المعلن دولة مدنية بينما كانت الممارسات تؤكد دولة المِلَل والطوائف بمسميات معاصرة، حتى اللحظة ما زالت الأحزاب الدينية، الطائفية، تعمل وتبشر بالدولة الدينية، وترفض التعدد والتنوع على أرضية المواطنة، وتسعى للسيطرة على البرلمان أو تشكيل الثلث المعطل لتقوض مسار الثورة وترتد من الدولة إلى الأمة، ونحن غارقون فى تأويلات تغل اليد عن تنقية الساحة الحزبية من الالتفاف على النص الدستورى الذى يمنع قيام مثل هذه الأحزاب بتخريجات مخاتلة ورؤى غائمة، تحاول أن تؤكد شرعيتها بالمخالفة لواقعها ومواقف قياداتها، بالمخالفة لنص ومضمون المادة 74 من الدستور.
وعلى الجانب الآخر من النهر تتناثر أحزاب مدنية منبتة الصلة بالقاعدة الشعبية، تعانى من دوامات التكوين المبتسر والشعارات الملتبسة، ذلك لأنها لا تملك القدرة على تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، وتخشى المجاهرة بحتمية علمانية الدولة، وتراوغ بمسمى «المدنية» الفضفاض الذى تحتمى به الأحزاب الدينية أيضاً، لذلك كان فشلها ومحدوديتها، بعد أن ابتلعت طعماً زرعه المتطرفون «أن العلمانية تعنى العداء للدين، وتعنى الكفر»، بالمخالفة للحقيقة، التى تقول إن العلمانية نسق يعطى للدين قدره ومكانته، ويعترف به مكوناً فاعلاً وقائماً ولصيقاً فى الشخصية المصرية، فى تكامل مع الفن والحضارة والثقافة والعلم، فى غير تغوّل أو قفز على مقدرات الإنسان بكونه إنساناً.
ما زال المشهد الحزبى يحوى ركناً شاغراً لن يملأه إلا حزب طال غيابه، وهو الحزب العلمانى الديمقراطى، الذى يتأسس على المساواة والعدالة، لا يعادى الدين ولا يقصيه، ويرسخ لمفهوم الدولة القومية، ويواجه غول التطرف، يرى فى الدولة العلمانية الحل، ويعتمد سيادة القانون أداة، ويجعل المواطنة عنواناً. فهل من يبادر بتأسيسه؟