وائل لطفى
تفاصيل معركة"خد وطالب"التى خاضتها مصر فى مجلس الأمن
*الدبلوماسية المصرية تخوض أفضل معاركها فى الخمسين سنة الأخيرة
*الترويج لنظرية المؤامرة جزء من الضيق بنجاح مصر فى استثمار المحنة.. والقول بأن المذبحة «مؤامرة» مصرية مضحك
*أفضل ما فى مأساة ذبح المصريين أنها أعادت الحيوية للدولة المصرية بجناحيها العسكرى والدبلوماسى
*مصر لعبت فى مجلس الأمن بخطة «خذ وطالب» ورفعت سقف مطالبها كى تحصل على ما تريد
*وزير الدفاع فى حكومة إخوان ليبيا ينفى أن تكون الواقعة قد حدثت من الأساس وينفى وجود داعش فى ليبيا!
لم يكن من قبيل المزاح أن يعلن وزير الدفاع فى حكومة الإخوان الليبية- غير الشرعية- أن حادثة ذبح المصريين لم تقع فى ليبيا من الأساس!
حيث «لا توجد فى ليبيا شواطئ مثل التى ظهرت فى الفيلم الذى بثه التنظيم الإرهابى».
وزير الدفاع الإخوانى فى حكومة الإنقاذ قال أيضًا إنهم لم يجدوا أى أثر لداعش فى مدينة سرت الليبية ولا لجثث الضحايا المفترضين من المصريين! وتساءل أيضًا «إذا كانت هذه الجماعات موجودة على أرض ليبيا فأين هى هذه الجماعة وأين جثث ضحاياها»؟! وهو اعتبر أيضًا أن الفيلم الذى يصور عملية الذبح «مفبرك» ولا أصل له.
وأنهى تصريحاته لجريدة «الخبر» الجزائرية قائلًا: (نطالب المصريين بأن يبينوا من هؤلاء الأشخاص «المصريين الذين ذبحوا»؟ ما أسماؤهم؟ ماذا يعملون فى ليبيا؟ ومن كافلهم؟).
انتهت تصريحات المسئول الليبى الإخوانى وهى رغم هزليتها.. جادة.. التصريحات هزلية لأن تنظيم «داعش» أعلن عن الحادثة بنفسه عبر مجلة يصدرها باللغة الإنجليزية هى «دابق» وهى المنبر الإعلامى الأول للتنظيم ولم يسبق أن شكك أى أحد فى علاقة المجلة بداعش.. بل إنها كانت المنبر الأول لإذاعة صور وأخبار عمليات قتل الرهائن الذين يختطفهم داعش من أول رهينة وحتى معاذ الكساسبة ثم الشهداء المصريين.
ومع ذلك فحديث «خليفة الغويل» وزير دفاع الإخوان الليبيين يكشف عن وجه جاد لا هزل فيه.. ووجه الجدية هو أنه تعبير عن حالة «إنكار» لما استطاعت مصر أن تحققه خلال الأسبوع الماضى.. حيث ردت الصاع صاعين.. وحولت الحادثة المؤلمة والحزينة إلى شرارة توقد الشعور الوطنى.. والأهم أن مصر قررت تحويل خسائرها إلى مكاسب سياسية.
والأهم أن الدولة المصرية بكل أجنحتها بدت وكأنها استعادت عافية فقدتها منذ سنين طويلة.. فعلى المستوى العسكرى والمعلوماتى كان واضحًا أن ضربة الرد تميزت بالدقة والإتقان لأقصى درجة ممكنة.. وعلى مستوى الدبلوماسية المصرية فقد خاضت مصر معركة لم تخض مثلها منذ سنوات طويلة، وتميز الأداء المصرى بالاحترافية، وعبر ذلك عن نفسه فى صياغة مشروع القرار العربى الذى تقدمت به الأردن لمجلس الأمن وإن كانت مصر قد لعبت الدور الأكبر فى صياغته، وعلى الرغم من أن البيان الذى أصدرته أمريكا مع الدول الأوروبية الخمس بدا محبطًا للرغبة المصرية فى تضامن دولى من أجل حسم منابع الخطر فى ليبيا، إلا أن الدبلوماسية المصرية عملت بطريقة «خذ وطالب».. بمعنى أنها رفعت سقف مطالبها لأقصى درجة ممكنة مع توقع للحصول على جزء من هذه المطالب وليس كلها.
وبالإضافة لمشروع القرار العربى الذى تقدمت به مصر إلى مجلس الأمن كانت هناك تحركات دبلوماسية مكثفة مع أعضاء التحالف الدولى ضد داعش حتى لا تقتصر أنشطة الــ 26 دولة المشاركة فى التحالف على وجود داعش فى سوريا والعراق بينما يتم تجاهل الخطر المستشرى فى ليبيا.
> > >
وكان الأهم هو الوعى الذى تعاملت به الدولة المصرية والمعنى الذى تم إيصاله للجميع عبر مجلس الأمن وهو المشاورات الدولية وهو أن ما تطرحه مصر على مجلس الأمن ليست له علاقة من عدمه باستمرار الغارات المصرية على قواعد داعش فى ليبيا كلما استدعت المصلحة ذلك، حيث الغارات هى ممارسة لحق الدفاع الشرعى عن النفس.. وكان المعنى أن مصر لا تطلب إذنًا من الآخرين للدفاع عن نفسها بقدر ما كانت تدعو لجهد دولى يوفر على العالم خطر استفحال الإرهاب فى ليبيا.
> > >
ولعل ما لا يعرفه كثيرون أن التزام «برنارد ليون» مبعوث الأمم المتحدة فى ليبيا بمهلة أسبوعين فقط للوصول لحل سياسى كان له الدور الأكبر فى تراجع مجلس الأمن عن إقرار مشروع القرار العربى كما هو، فقد أعلن «ليون» أثناء المشاورات أنه لا يريد سوى أسبوعين فقط يتم بعدهما إعلان التوصل لحل سياسى فى ليبيا وأن ما تضمنه مشروع القرار العربى من رفع حظر السلاح عن الجيش الليبى يمكن أن يعطى ذريعة للطرف الآخر للانسحاب من الحوار.
وبحسب تقديرات لمسئولين وثيقى الصلة بما يجرى فمن الوارد أن تحدث أحداث خلال أسبوعى المهلة اللذين طلبهما «ليون» تجعل الدول الغربية تستمع لما تقوله مصر بشكل أكثر دقة.. خاصة أن مصر أعدت مستويين لما تطلبه.. المستوى الأول هو التضامن الدولى للتدخل العسكرى فى ليبيا مع وجود مظلة دولية.
أما المستوى الثانى فهو رفع حظر التسليح عن الجيش الليبى الشرعى وحظر دخول السلاح للميليشيات الإرهابية، وغالبًا فإنه ستكون هناك استجابة لما طلبته مصر فى المستوى الثانى وخاصة الطلب الخاص بحظر دخول الأسلحة للميليشيات الليبية.. وهو خطوة جيدة على طريق طويل.