جمعني مؤتمر لمجموعة من المثقفين العرب. للتداول حول أحوال أوطاننا وشعوبنا. بنفر من المعنيين من المغرب وفلسطين وسوريا وموريتانيا والأردن ولبنان فضلاً عن تونس. التي استضافت هذا اللقاء المهم. لعدة أيام بمنطقة "الحمامات" السياحية الشهيرة. التي سبقت وإن كانت مقراً لمنظمة التحرير الفلسطينية وقيادييها. بعد احتلال الجيش الصهيوني لمدينة بيروت عام 1982 وإجلائهم بالقوة منها.
والحق أن هذا اللقاء. علي أهميته وعمق الحوارات التي دارت في أروقته. وموضوعيتها. كان مبعثاً للحزن والأسي إلي درجة كبيرة. جعلت من هذه الزيارة مصدراً للغم. رغم الحفاوة والكرم التونسي الملحوظين!.
ومصدر هذه المشاعر الحزينة كان حال المدينة السياحية الفائقة الجمال والبذخ والأناقة فقد كان مجموعنا. لا يتجاوز العشرين نفراً. وحده بلا شريك في هذه المساحة الشاسعة. التي تطل علي البحر الأبيض المتوسط في مشهد بديع يخلب الألباب.
فالمدنية بمنتجعاتها البديعة وفنادقها الفاخرة. ومحالها العامرة الأنيقة. لا تعدو قد اصبحت ارضاً خراباً. لا تكاد تري فيها زائراً سواناً. أو مرتاداً غيرنا. لا صوت ولا حركة إلا ما ندر. والبائعون والعمال القلائل الباقون. يكادون يذرفون الدمع علي أحوال مدينتهم الجميلة. التي كانت تضج بالمرح والفرح والحركة والحياة!.
ومصدر هذا الخراب العميم هو العملية الإجرامية القذرة. التي استهدفت الجماعات الإرهابية بواسطتها منذ أشهر سياحاً انجليز كانوا يزورون المتحف الوطني بالعاصمة "تونس" فسقط عشرات القتلي والمصابين.
وكانت عمليات الاغتيال والقتل للقادة التوانسة للمعارضين قد تولت قبلها وبعدها. فاغتيل الشهيد "شكري بلعيد" المناضل والمفكر الاشتراكي المعروف زعيم حزب "الوطنيين والديمقراطيين الموحد" ثم اغتيل المناضل الناصري "محمد البراهمي" زعيم حزب "التيار الشعبي" قبل أن يشهد مركز العاصمة "تونس" بتفجير سيارة من الموكب الرئاسي في الأيام الأخيرة وهي العملية التي استدعت إعلان حالة الطوارئ في البلاد. وفرض حظر التجوال لساعات عديدة كل يوم.
والحقيقة أن الارهاب علي النحو الذي شهدته تونس. وعايشناه ونعايشه في مصر. ولم تفلت ولن تفلت منه لا أوروبا ولا أمريكا. أصبح عنصراً قاتلاً يوزع الموت والخراب علي الجميع دون أن يستثني من لدغاته أحداً. ومن يظن أنه بمأمن منه ومن طعناته القاتلة غافل عن طبيتعه. أو متجاهل لعله في نفسه!.
لكن الأهم هو الدرس الذي يجب أن نتعلمه من هذه المحنة. نحن في مصر. والاشقاء في تونس وفي غيرها من بلاد العرب. وفحواه أن "السياحة" علي أهميتها ومع الاعتراف بقدرتها علي جلب العملة الصعبة. وفتح آلاف البيوت وتوفير العديد من فرص العمل. لا يمكن ولا يجب أن تكون. كما يحلو لبعض المعنيين أن يؤكدوا "قاطرة التنمية"..لماذا؟!.. لأنها كما تقول لنا التجربة التي نحياها. صناعة بالغة الهشاشة والحساسية. وقابلة للعطب بسرعة. فيكفي عملية واحدة لا تكلف الإرهابيين إلا تكلفة بسيطة. أو ينهض بها واحد من الانتحاريين الذين لا يقيمون للحياة وزناً ولا للوجود احتراماً. حتي يتعطل دولاب السياحة. ويحل الخراب. وينفض الزوار. وتتوقف دورة الحياة ومعها يترنح الاقتصاد. وتتوقف أحوال الملايين من المواطنين المتعيشين علي دخلها وعوائدها!.
كذلك فإن السياحة كانت ومازالت صناعة سياسية بالدرجة الأولي يمكن توجيهها حسب مصالح الدول الكبري. ولتحقيق أغراضها وأهدافها فهي ان رضيت عنك تفتح بواباته لسائحيها وان غضبت عليك أغلقت صنابيرها حتي تموت عطشاً!.
والأوفق والأنسب لنا أن نعتمد في بنيانا الاقتصادي علي المناحي الانتاجية "صناعية وزراعية" التي تسد حاجاتنا وتحررنا من الارتهان للآخرين. وتقلل من الحاجة للاستيراد. الذي يبدد حصيلتنا من العملة الصعبة الشحيحة وتزيد من فرص العمل لشبابنا وتطور ملكاتنا وخبراتنا وتعود علينا بالخير والفائدة..هذا هو درس الوقائع الأخيرة في مصر. وهو الدرس المهم الذي أكدته زيارة تونس الخضراء. الذي لفها الحزن من ضربات اعداء الحياة!.