دخل الجنرال عمر سليمان سباق انتخابات الرئاسة فى ٢٠١٢ فى اللحظات الأخيرة، وخرج من السباق قبل أن يبدأ بسبب خطأ فى أوراق الترشح، حسبما أعلنت اللجنة العليا للانتخابات وقتها، ودخل أحمد عز سباق الانتخابات البرلمانية أيضا، وخرج منه قبل أن يبدأ بسبب خطأ فى أوراق الترشح، حسب لجنة الانتخابات.
لماذا دخل الجنرال سليمان ولماذا خرج؟ وكيف ترك وراءه وهو نائب رئيس الجمهورية السابق ومدير مخابرات مخضرم خطأ ساذجا قيل إنه مر على كتيبة محاميه المعتبرين؟
لا توجد إجابة مقنعة تستند إلى معلومات غير تحليلات ترجح استخدام سليمان من قبل النظام القائم وقتها كمغناطيس الهدف منه سحب اثنين من المرشحين معه، هما خيرت الشاطر وحازم أبو إسماعيل، بمبررات مشابهة حول مشكلات وأخطاء فى أوراق الترشح. الضجيج الذى خلفه سليمان والمخاوف حول عودة شبح النظام فى بدايات ثورة كانت ما زالت عفيّة وقادرة على فرض إدارتها، لا يقارن بالضجيج الذى خلفه ترشح عز، والارتياح الذى خلفه قرار استبعاده.
فى غياب المعلومات، أى تحليل يمكن أن يقربنا من إجابة سؤال عن سبب ترشح عز؟
الظهور الإعلامى الوحيد للرجل قبل يوم واحد من قرار استبعاده فى مداخلة هاتفية، أظهر الرجل حسبما أعلن مقتنعا تماما بما جرى، وصف ٢٥ يناير أنها ثورة، وقال إنه كان يتحسب ردود أفعال ترشيحه، وما قد يسببه من إعادة وضعه أمام فوهة مدفع الغضب، وكأنه القادم من بعيد حاملا النظام القديم على كتفيه ليعيد تثبيته فى مواقعه من جديد. لماذا يترشح الرجل الذى لديه كل هذا الاستيعاب الواثق للماضى؟ ولماذا يترك فى ملفه ثغرات قانونية تسمح باستبعاده، ومعه محامٍ معروف بكفاءته فى ضبط الأوراق؟
ماذا ربح وماذا خسر؟ وما الشىء الذى قايض عليه ودفعه لخوض هذه المغامرة بفرض أنها تمت دون استئذان أو تشاور مع جناح ما فى النظام على الأقل؟
هو ليس كالجنرال سليمان، مغناطيس يجذب غير المرحب بهم من المرشحين الآخرين للاستبعاد معه، بما يقلل رد الفعل على الاستبعاد ويحتويه، لكنه مغناطيس آخر استطاع أن يجذب الاهتمام، ويشغل العقول، ويمنح الحناجر الحنجورية مساحة للهتاف، ويفتح الباب أمام تصورات ومخاوف حول عودته وقدرته مع جناح فى السلطة على فرض الوجود والسيطرة على المشهد السياسى حتى لو تم الأمر ضد ما يعلنه الرئيس من قناعات. لكن استبعاده نقطة تصبّ فى صالح هذا النظام، تؤسس لتأكيد واضح على قناعات الرئيس بأن العودة إلى الوراء والسماح لرموزه باللعب من جديد أمر مرفوض.
تشبث عز بموقفه القانونى دون استشعار لحرج سياسى، استند إلى ما يضمنه له الدستور والقانون من حقوق باعتبار أن الثورة التى هاجمته سياسيا وحملته كل الخطايا لم تستطع أن تدينه قضائيا فى كل ما تحدثت عنه حول أوجه فساده واحتكاره، وما دام القانون كان استناده المعلن فبالقانون أيضا يكون سبب استبعاده المعلن.
تعالَ لنستبعد شبهات الصفقة مع النظام أو الضغط المتبادل بينه وبين عز للوصول إلى تفاهمات ما لا نعرفها، ونجيب عن سؤال محدد: هل خرج عز خاسرا أو مهزوما من معركته تلك؟
شخصيا هو خرج رابحا بالنظر إلى وضعه بعد الثورة، من جانب لم ينتظر رد اعتبار من أحد، لكنه صدم المجتمع كله، وجلب منه اعترافا واضحا أنه مواطن طبيعى ليس على رأسه بطحة، حتى إنه يترشح للانتخابات وتتزايد حظوظه ويستبعد منها، ليس لأحكام تدينه، أو سجلّ جرائم يلاحقه، إنما فقط لخطأ ورقى فى ملف الترشح، مثله مثل كثير من المرشحين.
أحمد عز مواطن طبيعى، نجح فى إثبات ذلك، قدم للنظام ما يسمح له بالقول إنه منع رمزا سابقا من العودة، لكنه فتح لنفسه باب العودة على مصراعيه فى أى استحقاقات قادمة، يهتم فيها بأوراقه بدقة.
لعبة الجنرال عز نجحت، أرضت جميع الأطراف، الثوريين الذين يزهون اليوم بانتصار استبعاده، والنظام الذى يتربح من هذا الاستبعاد، ومستقبله الذى أعاده إلى قضيبى الحياة السياسية من جديد، بعد أن بات وجوده معلنا، ولا عوائق أمامه غير بضع شكليات إجرائية، والرأى العام ممهد لقبول وجوده غدا بعد صدمة اليوم.
لم يرغب عز فى العودة بقدر ما رغب فى أن يقول لنا إنه هنا، ولم يحاول إثبات شىء للمجتمع أكثر من كونه مواطنا طبيعيا، صحيفته رسميا بيضاء، وبالتجربة اختبر المجتمع، وانتصر فى اختباره.
مقالات التحرير