د. محمود خليل
فين الأمن.. وفين الدولة ؟!
كلام لافت جاء على لسان النائب البرلمانى الوفدى اللواء بدوى عبداللطيف، ذكر فيه أن جهاز الأمن الوطنى (أمن الدولة سابقاً) يطالب النواب بالانضمام إلى تحالف «دعم الدولة»، رغم عدم اقتناع نواب كثيرين به. وكشف اللواء عن توقيعه على وثيقة المبادئ التى تلقاها من تحالف «دعم الدولة» الذى تسعى قائمة «فى حب مصر» إلى تأسيسه مع حزب الوفد، بعد مطالبات من أمن الدولة ومن حزبه، رغم عدم اقتناعه بالانضمام إلى التحالف.
تدخل جهاز الأمن الوطنى فى توجيه النواب للانضمام إلى تكتل معين، يفتح أبواباً واسعة للقلق، ويؤشر إلى أمور لا تُبشّر بخير. أولها أن هذا الجهاز عاد إلى أداء الأدوار القديمة نفسها التى كان يقوم بها، أيام «المخلوع»، والتى كانت عاملاً جوهرياً من العوامل التى تسببت فى قيام ثورة 25 يناير 2011. ويصب هذا التوجه فى سياق دعم إعادة إنتاج الأدوار القديمة لجهاز الشرطة، وهو أمر لن يكون فى صالح الشعب أو السلطة، خصوصاً أن نائب «الوفد»، أشار إلى أن توقيع النواب ليس مشفوعاً بالاقتناع، بل مسوقاً بتوجيهات رجال الأمن الوطنى!. وثانيها أن التحالف المزمع تشكيله داخل مجلس النواب تحت يافطة «دعم الدولة» سيكون «ملاكى حكومة»، وأنه لن يعمل بعيداً عن توجيهات الحكومة، مما يعنى نفى الدور الرقابى عن المجلس المقبل. فأنى لتحالف برلمانى شكلته الحكومة أن يقوم بدور فى الرقابة عليها، حكومة تُحدد لأعضاء المجلس الموقر ما يجب عليهم فعله، وما ينبغى الابتعاد عنه؟!
ثالث المؤشرات التى لا تبشر بخير إزاء تدخل الأمن الوطنى فى «مجلس النواب» أن المجلس الحالى هو مجلس مصنوع على عين الحكومة، ويبدو أن صناعته تأسست على حالة القلق التى تلبست السلطة التنفيذية، جراء الصلاحيات الواسعة التى يمنحها دستور 2014 بمجلس النواب. ولعلك تابعت الجدل الذى أثير منذ فترة حول ضرورة أن يقوم المجلس بتعديل الدستور، وهو الطرح الذى قُوبل برفض شديد من جانب الكثيرين، ويبدو أن الحكومة وجدت الحل فى أن تدير المجلس الجديد بالطريقة القديمة التى تقوم على «التوجيه بالإملاء». وهو أمر يبرر ظهور جهاز الأمن الوطنى فى المشهد. ويرتبط المؤشر الرابع بما أشار إليه النائب الوفدى من أن التوجيه لم يكن مصدره جهاز الأمن الوطنى فقط، بل شارك فيه الحزب الذى ينتمى إليه (حزب الوفد)، ودفعه الطرفان إلى التوقيع على استمارة مبادئ «تحالف دعم الدولة». الأمر الذى يعنى أن الأحزاب التى يُفترض فيها المعارضة عادت إلى أدوارها القديمة هى الأخرى، والمتمثلة فى دعم الدولة فى السر، ولا بأس من «عبارتين ثلاثة» نقد فى العلن، لزوم الاستمرار فى «برواز المعارضة».
فى كل الأحوال الكلام الذى قاله اللواء بدوى عبداللطيف، كلام خطير ولا بد أن توضح لنا كل من الداخلية ورئيس الحكومة ورئاسة الجمهورية مدى دقته، لأنه ببساطة يسىء إلى مجمل المشهد السياسى فى مصر التى خاضت ثورة كبرى على هذا النوع من الممارسات. وإذا كانت خارطة الطريق قد تشكلت من ثلاثة أضلاع (الدستور والرئاسة والنواب)، فمن المهم الوعى بأن أى اهتزاز فى أى ضلع سيكون له أثره على الضلعين الآخرين.
لا بد أن يفهم الشعب فين الأمن.. وفين الدولة؟!