اكتشف الغرب مؤخراً أنه لابد من حرب برية لكي يتم القضاء علي داعش. وأنه لم يحدث أن حسمت الطائرات أي معارك علي الأرض. ولابد من صراع أرضي حتي يصلوا للحسم الذي يهدفون لتحقيقه
نسمع كثيراً في هذه الأيام عن أن الغرب اكتشف متأخراً أن الحرب البرية لا يمكن أن تحل مشكلة داعش. واكتفي بكلمة داعش لأننا أخطأنا جميعاً من قبل عندما وصفنا هذا التنظيم الإرهابي الدموي بالدولة الإسلامية في العراق والشام. فلا هي دولة ولا علاقة لهم بالإسلام. ولا يجب علينا أن ندخل لفخاخ اللغة طائعين مختارين ونمكنهم من الانتصار علينا. لأننا ننفذ لهم ما يريدون. ولا يجب أن ننسي أن كل المشاكل تبدأ في حقول اللغة. خاصة عندما تتردد الكلمة كثيراً في الإعلام.
لا أثق في الغرب. وأتحسب كثيراً عندما أقرأ ما يصدره لنا من معلومات. وأتصور - وأرجو أن أكون مخطئاً - أن الغرب بقيادة أمريكا كان يحاول احتواء داعش. ولم يكن هدفه القضاء عليها. ليس لأنها نشأت في أحضانه. وليس لأنها تحقق لهم أهدافهم. ولكن لأسباب أخري كثيرة ربما كان أهمها إعادة ترتيب أولويات الأخطار.
داعش والنصرة في العراق والشام. والحوثيون في اليمن. يقدمون خدمة جليلة للعدو الإسرائيلي والغرب. لأنهم يخلقون أخطاراً تجعل من الصراع العربي الإسرائيلي في أواخر ما يهدد وطننا العربي. قل لي من يتذكر الآن القضية الفلسطينية؟ من لديه الوقت ليفكر في الصراع العربي الإسرائيلي؟ من هو مستعد لإدراك الخطر الذي يمثله المشروع الصهيوني علي الوطن العربي وفي مقدمته مصر.
كان هناك موقف غربي تجاه داعش قبل أحداث باريس. وموقف غربي بعدها. لأن الضربة الباريسية ثم تلتها الضربة الأمريكية إن كان صحيحاً ما ادعته داعش أن من قاموا بها ينتمون إليها. كل هذا خلق موقفاً غربياً جديداً من الغرب. وأتمني أن يكون الموقف جديداً فعلاً. فنحن نشعر بقلوبنا وهم يفكرون بعقولهم. الدنيا بالنسبة لهم مصالح فقط. أما بالنسبة لنا فقبل المصالح وبعدها هناك المشاعر والأحاسيس. وتلك أمور لا يعترفون بوجودها.
أصل ما أريد الكتابة عنه. اكتشف الغرب مؤخراً أنه لابد من حرب برية لكي يتم القضاء علي داعش. وأنه لم يحدث أن حسمت الطائرات أي معارك علي الأرض. ولابد من صراع أرضي حتي يصلوا للحسم الذي يهدفون لتحقيقه.
ولأن الغرب- مؤسسات ودولا- تحكمه قوانين ودساتير. وللأسف الشديد لا يمكن للحكام الخروج عليها بسهولة. وإن خرجوا فالنتائج تكون وخيمة وربما مخيفة. وخروج جيوش من عندهم تحكمه اعتبارات كثيرة ولابد من اللجوء للبرلمانات والحصول علي موافقتها التامة علي التدخل البري وحجمه وخريطته والفترة الزمنية التي يمارس فيها.
لكل هذه الأسباب يبدو أنه من الصعب إن لم يكن من المستحيل علي الغرب أن يتدخل برياً في المنطقة التي توجد فيها داعش. سواء في العراق أو سوريا. ولذلك تفتقت عقليتهم الاستعمارية وأذهانهم التآمرية أن هذا التدخل يجب أن يقوم به العرب والمسلمون من أبناء المنطقة. وهم يكتفون بالدعم والوقوف المعنوي مع من ينفذون هذه الحرب علي أرض الواقع.
هذا كلام يقال. وثبت لنا من خبرة السنوات أن الكلام الذي يقال إن لم يكن دقيقاً دقة تامة فيما يجري بعده من أمور. فإنه يشير علي الأقل إلي طريقة التفكير والنوايا التي يمكن أن تصل إليها الأمور.
بالنسبة لمصر وهي التي تعنيني في كل هذه الكتابة نسمع أن مصر ربما تشارك في هذه المعارك البرية في الشام والعراق ضد داعش. ونحن في مصر نكتوي بالتطرف والإرهاب. ندفع الثمن يومياً من خلال الشهداء والقتلي والجرحي وأعدادهم ضخمة. يكفي أننا لم نعرف هذه الأعداد حتي الآن.
لكن ما يحدث لنا لا يبرر أن نذهب بعيداً لكي نحارب. لأنه يوجد خطر علي حدودنا الغربية. في ليبيا بالتحديد. حيث يوجد متطرفون ينتمون لداعش وغيرها. ويقولون إن هدفهم من التواجد ليس ليبيا ولكن مصر. وثمة كلام عن محاولات لغزو الأراضي المصرية من الحدود الليبية. بل إنني أتصور أن الهدف من كل التطرف والإرهاب في الوطن العربي هو مصر. مصر أولاً ومصر أخيراً. وبالتحديد جيش مصر.
لدينا سوابق لمحاولات انتصر فيها جيشنا العظيم وشرطتنا علي العدو. لكن وجود العدو علي الغرب من حدودنا يدفعني إلي التفكير طويلاً قبل أن يكون لنا أي دور في أي حرب برية في العراق والشام أو في اليمن. بل إنني لا أتمني لمصر أن تشارك في أي حرب أرضية في أي مكان. ولا أي حرب جوية أو بحرية أو غيرها. فالوضع الداخلي المصري لا يحتمل ردود الأفعال.
لا شيء يساوي قطرة دماء واحدة تسيل من مصري. لنفكر أولاً وأخيراً قبل القرار.