الأخبار
محمد فهمى
إنجي .. سيدة العام !
في الوقت الذي دعت فيه الأحزاب اليمينية المتطرفة بطرد المسلمين ومطاردتهم.. بعد الاحداث الإرهابية التي شهدتها فرنسا.. خرجت انجيلا ميركل بروشتة صائبة حملت جملة لا.. للطرد.. نعم للاندماج!

في مثل هذه الأيام.. من كل سنة.. تخرج علينا مجلة «تايم» الأمريكية.. بنتائج استفتاء تجريه حول الشخصية السياسية البارزة التي حققت الانجازات المبهرة خلال العام ويرتاح لها الرأي العام رغم اختلاف اللغات. وتفرق الأجناس. بكل ما لها وما عليها.
وجرت العادة أن يحتل هذا النبأ المكانة الفريدة في الصفحات الأولي من صحف العالم.. ومعها صورة الشخصية المختارة بالألوان.. وتدخل كل البيوت.. وتتحول إلي حديث المجالس.. ويشغل الرأي العام في القرية الكونية التي نعيش في احضانها.
في سنة ١٩٧٧.. وقع الاختيار علي الرئيس الراحل أنور السادات.. بعد زيارة للقدس في نوفمبر ١٩٧٧. وكان هو رجل العام.. باجماع غير مسبوق من جانب وكالات الأنباء وكبريات الصحف الأوروبية والأمريكية.. وكانت العادة.. كما يحدث حتي الآن.. ان تختلف الآراء من دولة إلي دولة.. ومن صحيفة إلي مجلة.. ولكن «رجل عام ١٩٧٧» لم يختلف عليه.. اثنان.
الآن نحن أمام اسطورة سياسية.. سوف تحمل لقب شخصية عام ٢٠١٥.. وهي المستشارة الألمانية انجيلا ميركل.. التي خلعوا عليها لقب مستشارة العالم الحر.
وجرت العادة أن تحتل صورة «شخصية العام» غلاف مجلة «تايم» الأمريكية بالألوان.. فتدخل ملايين البيوت.. وان يتصدر النبأ كافة البرامج الحوارية في اجهزة التلفزة ويجري النقاش بين ضيوف هذه البرامج حول ما يتعين أن يكون عليه رجل الدولة.. من مواصفات تتسم بشجاعة اتخاذ القرار.. وكونه طرازا ونموذجا وقدوة في حسن الأداء وجميل الاخلاص والصدق في كل ما ينطق.. وتسلط الأضواء علي ما حقق وما انجز.
بالنسبة لانجيلا ميركل تلخصت الأسباب التي دفعتها لحمل اللقب فيما ابدته من مرونة وقدرة علي القيادة في أزمة اللاجئين السوريين والاضطرابات في الاتحاد الاوروبي بشأن العملة الموحدة والأزمة المالية الطاحنة التي واجهت اليونان.. وقدرتها علي تحويل المهمات إلي طريق الصواب بنعومة فائقة.. لا يتمتع بها الكثير من الساسة.. سواها.
اود ان اضيف إلي ما تقدم.. القضية الأهم بالنسبة لنا.. وهي دفاعها عن المسلمين الذين يعيشون في ألمانيا.. وسعيها لادماجهم ورفض فكرة الابعاد والاقصاء.. والدفاع عن الائمة والدعاة الذين يلقون المواعظ في ٢٦٠٠ مسجد «الفين وستمائة مسجد»، علاوة علي العشرات من المراكز الإسلامية المنتشرة في جميع الولايات الالمانية.
وفي الوقت الذي دعت فيه الأحزاب اليمينية المتطرفة بطرد المسلمين ومطاردتهم.. بعد الاحداث الإرهابية التي شهدتها فرنسا.. خرجت انجيلا ميركل بروشتة صائبة حملت جملة لا.. للطرد.. نعم للاندماج!
بل إن انجيلا ميركل.. تعاملت في شهر أكتوبر الماضي مع قضية العثور علي اسلحة ومدافع رشاشة بأحد المراكز الإسلامية بمدينة برلين الألمانية.. يتبع احد التيارات السلفية.. بما تتسم به من حكمة.. واكتفت بالتحريات التي قامت بها الجهات المنوط بها مكافحة الإرهاب ومصادرة الأسلحة.. وكانت ٦٠ مدفعا رشاشا من طراز «عوزي».. ولم ترتفع إلي مستوي التعميم.. واعتبار ما تردد ايامها من أن كل مسلم هو مشروع ارهابي.. هو تعميم مرفوض.. والامثلة من هذا القبيل تضيق السطور عن تناولها.
ما علينا..
المهم.. ان انجيلا ميركل حصلت علي اللقب الذي تستحقه.. وجاء في وقته المناسب.. قبل ان يتم الاعلان عن ترشيحها لمنصب السكرتير العام للأمم المتحدة.. بعد انتهاء مدة الأمين العام الحالي بان كي مون.. وقبل ان تصبح اول سيدة تشغل هذا النصب الدولي المرموق.. وبالمناسبة نقول.. ان انجي لاتزال تفكر.. ولم تتخذ بعد قرارا بشأن قبولها لمنصب سكرتير عام الأمم المتحدة أو الاعتذار عنه.. فهي حتي الآن لم تقل نعم ولم تقل لا.. ولاتزال تقف بين نعم.. وبين لا.. موقف المتردد الزاهد في المناصب.. ووجع الدماغ.
وانجيلا ميركل يقال لها انجي من باب الدلع.. كما كان يفعل العرب في سالف الأزمان عندما كان يقال اسم «سكني».. لسكينة. وبثن اسم لبثينه.. وهو ما نقصده اليوم من «ديدي».. لدريد.. و«سوسو» لسنية الخ.
وانجي من مواليد المانيا الشرقية في ١٧ يولية سنة ١٩٥٤ لاب يعمل قسيسا. وحصلت في المانيا الشرقية علي درجة الدكتوراه في الكيمياء وعملت كباحثة.. إلي أن بدأت لعبة السياسة في المظاهرات التي اندلعت في المانيا الشرقية.. وسقوط نظام ايريك هونيكة وشاركت في أول انتخابات حرة جرت في المانيا الشرقية حيث تعرفت بها في برلين سنة ١٩٨٩.. وفازت في هذه الانتخابات التي خاضتها ضمن فريق الحزب المسيحي الديمقراطي.
وحققت فيها فوزا كاسحا.. استطاعت بسببه ان تشارك كوزيرة لشئون الأسرة في حكومة المستشار هيلموت كول الذي كان يناديها باسم «الآنسة» إلي أن نجحت في اسقاطه والاطاحة به.. وان تتولي رئاسة الحزب.. وتخوض معركة الانتخابات لمنصب المستشار واصبحت اول سيدة تتولي هذا المنصب في المانيا.. علي مر التاريخ.. إلي أن أصبحت الآن هي اقوي سيدة في العالم.. اقوي من ميشائيلا زوجة الرئيس الأمريكي اوباما شخصيا!
وعندما تولت منصب المستشار تغيرت كافة قواعد المراسم.. وانقلبت رأسا علي عقب.
ولم يعد مسموما لزعماء العالم ان يأخذوا مستشارة المانيا بالاحضان والقبلات.. كما كان يحدث من قبل.. واصبحت القاعدة هي:
اصافحك آه.. ابوسك لا!
جميع مطبوعات المستشارية التي كانت تحمل جملة «مكتب المستشار»، القيت في زبالة التاريخ.. وتم تزويد المستشارية بمطبوعات جديدة تحمل جملة «مكتب المستشارة».
جميع اللافتات الارشادية التي تنتشر في حديقة المستشارية اصبحت تحمل إلي مكتب المستشارة بدلا من إلي مكتب المستشار.
والاهم من ذلك كله انه جري تغيير الطراز المعماري داخل مكتبها ليتناسب مع مستشارة من الجنس الناعم.
المكاتب ومائدة الاجتماعات في مبني المستشارية كانت مصممة لمستشار رجل منذ بسمارك وحتي شرويدر.. أما الآن وقد اصبحت المستشارة سيدة فان المكتب بكل ملفاته الداخلية والحمامات ودورة المياه.. وشكل مائدة الاجتماعات وارتفاعها قد ازيلت بالكامل.. وقال الخبراء ان طريقة الرجال.. اثناء العمل تختلف عن طريقة المرأة.. واحتياجات المرأة.. تختلف عن احتياجات الرجل.
وتدور الايام والسنوات.. وتصبح انجي.. شخصية عام ٢٠١٥.. وتصبح صورها الملونة في ملايين البيوت داخل المانيا وخارجها.. وتصبح علي ابواب تولي منصب السكرتير العام للامم المتحدة.. ولم يبق سوي كلمة منها تقول فيها «نعم»!
وهكذا جاء اختيار انجي كشخصية عام ٢٠١٥ تتويجا لمكانة المرأة في ربوع العالم.. ورفضا كونيا.. لثقافة حصر دور المرأة في المجتمع علي الشهوات والعياذ بالله.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف