الأهرام
أحمد عبد التواب
الاقتـــراب من تهديـــــدات 25 ينايــــر
عَصَفت رياح كثيرة بمصر دون برلمان، منذ نجاح الشعب فى الإطاحة بحكم الإخوان وحلفائهم قبل نحو 30 شهراً. وها هى الدعوات التخريبية، التى تثبت صحة اختيار الشعب، تتصاعد تتوعد ليوم 25 يناير، بينما البرلمان الجديد فى بدايات أعماله، بما يُلقِى بمسئوليات إضافية على النواب الجدد تُضاف إلى قائمة طويلة من المهام شديدة الأهمية تختلف الآراء حول ترتيب أولوياتها. وهو ما يلزم معه الحرص على عدم تبديد الطاقة، بما يُفَضَّل أن تُطوَى صفحة مساجلات المعركة الانتخابية البرلمانية، بكل ما فيها عن انفضاض الناخبين، وانتهاك قوانين الانتخابات، وشيوع استخدام المال السياسى، بل وعن الطعون فى قانون الانتخابات نفسه، وكل ما يُقال فى هذا السياق، وترك أمره للقضاء ليبتّ فيه بما ينبغى أن يلتزم به الجميع.
مع الوضع فى الاعتبار أنه لم ينجُ برلمان واحد فى تاريخ مصر من الطعون والتشكيك فى إجراءات العملية الانتخابية وفى صحة النتائج، وكان بعض الرفض أشدّ كثيراً مما يُتداول هذه المرة.

بل إن الانصاف كان يقتضى الاعتراف لهذا المجلس الأخير بمزايا غير مسبوقة، كأول مرة يفوز فيها 36 قبطياً، منهم 12 على المقاعد الفردية بعضهم فى دوائر لا يشكل الأقباط فيها إلا قلة قليلة، وهو من أهم مؤشرات نضج الناخبين، بأمل أن تكون بداية لتطور شعبى يتسع ويتعمق تصبح فيه القاعدة أن يختار الناخبون من يرونه أصلح لتمثيلهم بغض النظر عن عقيدته الدينية.

كما فازت أيضاً 87 امرأة، وهى أيضاً أعلى نسبة فى تاريخ البرلمان المصرى.

وكل هذا قبل إضافة ما سوف تتضمنه قائمة الأعضاء المعينين بقرار من رئيس الجمهورية.

أما من رفضوا المشاركة فى الانتخابات ودعوا الناخبين إلى المقاطعة، فمن غرائب الطبيعة أنهم يعلنون دهشتهم وغضبهم بعد النتائج بأن البرلمان لا يتطابق مع تصوراتهم!

لقد تعرَّضت مؤسسات الدولة، طوال غياب البرلمان، إلى نقد عنيف عجز حتى من انتظموا فى كل الأحوال فى تأييد كل نظام عن إيجاد الدفاع القوى الذى يصمد أمام هذه الحملات التى اتسع نطاقها ومداها بشكل غير مسبوق، وساندتها قوى عالمية لأغراضها القديمة والجديدة، مما جعل كل من شارك فى تأجيل الانتخابات مسئولاً عن وضع السلطة التنفيذية فى حرج التشكيك فى أن قراراتها لا تُعبِّر عن الإرادة الشعبية. وما كان ممكناً فى حال غياب البرلمان أن يقطع أحد بتوافق كل قرار مع الإرادة الشعبية. وكانت هذه أكبر ثغرة نفذ منها الإخوان وداعموهم فى الداخل والخارج يثيرون الريبة حول شرعية كل قرار، بل صار التهجم على مؤسسات الدولة يتجاوز المآخذ على القرارات ونقد مسئوليها إلى استهداف تحطيمها، بخطاب غوغائى تورط فيه أيضاً بعض أفراد وفئات ممن يرفضون منهج الإخوان، بعد أن وقعوا فى فخّ الخلط بين رفض، أو حتى إدانة، سياسات وقرارات ومسئولين، وبين التطاول على مؤسسات يجب حمايتها فى كل الأحوال، وإلا تعرّض الأمن العام للخطر.

وقد صار من الممكن الآن، مع بدء أعمال البرلمان الجديد، الكلام عن أوضاع جديدة تنطوى على فرص أفضل لحماية المؤسسات الوطنية التى تمكّن الشعب من بنائها عبر نحو قرنين من الصراع الحقيقى بين المحن والإخفاقات، مع الآمال المعقودة على أن يلتزم النواب بالجدية والاستقلالية واستيعاب المعانى العميقة للإرادة الشعبية التى أسقطت ممثلى التيارات التى تخلط الدين بالسياسة وتسير عكس الثقافة العامة وروح الحياة المصرية، والتى كادت تودى بالمصلحة العامة للوطن.

مع الأخذ فى الاعتبار، أن حماية مؤسسات الدولة لا تعنى التهاون مع أى مسئول فى أى مؤسسة، مهما علا منصبه، إذا انتهك القانون أو أخلّ بواجباته تجاه المواطنين. ومن المهم والمفيد أن يكون الكلام أكثر تحديداً فى هذا السياق، بمعنى أن جهاز الشرطة، مثلاً، الذى يجب حمايته كجهاز وطنى يقوم بمسئوليات على أعلى درجة من الأهمية، لا يمكن، فى نفس الوقت، السكوت على أى فرد أو مجموعة فيه تقترف جريمة تعذيب مواطن أو تنتهك كرامته.

وأيضاً، لا يجوز الخلط بين ضرورة تعقب واتهام كل من يمارس خطاب الكراهية والتحريض على العنف، وبين وجوب حماية الحريات العامة والخاصة، بالذات حرية التعبير، مهما كان الشطط فى المواقف، مادام أنها تُمارَس فى إطار ما يسمح به القانون والدستور الاتفاقيات الدولية التى صدَّقت عليها مصر، وما دام أنها تنطلق من حُسن النية التى تبغى الصالح العام. وهى أمور يحسمها القضاء الطبيعى فى كل حالة ترى فيها السلطات أن تتوقف مع ما تراه خروجاً.

حسناً، نحن مقبلون بعد أسابيع قليلة على ذكرى 25 يناير التى أعلن بعض أعدائها، الذين يدلسون بأنهم حماتها، أنهم يخططون لأعمال تخريبية انتقاماً من الموقف الشعبى الذى يُصرّ على عزلهم. وقد مرت المؤسسات التنفيذية بمحنة الانفراد بتحمُّل مسئولية مواجهة هذه الجرائم طوال المدة التى عاشت فيها البلاد دون برلمان. ومن المفيد سياسياً إقرار أن النقد القاسى الذى تعرّضت له هذه المؤسسات تسبب فى أن يتردد كثير من المسئولين إزاء أحداث كان يجب أن تكون يد الدولة فيها فاعلة وحاسمة.

وكما أن من مسئوليات البرلمان أن يحاسب السلطة التنفيذية على ما يراه أخطاء تقع فيها، فإنه من المطلوب أيضاً أن يراجعها فى تهاونها إذا تقاعست عن الواجب، وهذا بالذات داعم كبير للدولة فى وجوب تصديها بكل قوة لكل عمل تخريبى، دون مهادنة مع كل من يشارك فيه بالفعل وبالقول وبالتمويل وبالتخطيط. مع كل الانتباه إلى وجوب التفريق بين المخربين وبين أصحاب الآراء الحرة الذين يلتزمون بالقواعد.

انظر إلى فرنسا التى تعرَّضت لحادث إرهابى الشهر الماضى، لا يُقاس إطلاقاً بالأخطار اليومية التى تمر بها مصر، وكيف تصدّت وتعاملت أجهزة الدولة الفرنسية دون تردد مع كل مشتبه فيه، مع دعم كامل من نواب الشعب، وتأييد واسع النطاق من أجهزة الإعلام ومن الرأى العام، ووصل الأمر إلى حد تصفية كل المجرمين وإلقاء القبض على عدد كبير من المتعاطفين معهم، إلى حد أن صدر حكم قضائى قبل أيام قليلة بالسجن 3 سنوات لفتى فرنسى فى الثامنة عشرة لمجرد تأييده لداعش فى حسابه الشخصى على تويتر. ولكنه لم يجد من يدافع عنه لحداثته وقلة خبرته فى الحياة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف