الصباح
سليمان جودة
ليس فى عام ونصف العام يا سيادة الرئيس!
الذين تابعوا خطاب الرئيس وهو يعلن بدء العمل فى مشروع شرق بورسعيد، لابد أنهم قد لاحظوا أن الرئيس بدا عصبيًا فى أكثر من موضع، من مواضع الخطاب!
والذين لاحظوا ذلك، لابد أيضًا أنهم قد توقفوا أمامه فى دهشة، لأنهم اعتادوا من الرئيس السيسى، منذ تولى الحكم، الهدوء، والصبر، وطول البال!
بل إنه هو نفسه، كان فى خطاب سابق، قد سأل الحاضرين، عما إذا كان أحد منهم يمكن أن يأخذ عليه، أى على الرئيس، أنه قد أساء يومًا إلى أحد ممن هم خصوم معه، بل وأعداء بالنسبة له؟!
من ناحيتى، كنت حين سمعت هذا من الرئيس، قد تمنيت لو أنه أساء إليهم بكل ما يستطيع، خصوصًا خصوم البلد وأعداءه، لأنهم من صنف من البشر، لا تجدى معهم غير الإساءة، وغير ما هو أكثر من الإساءة لولا أن رئيس الدولة تحكمه بالطبع قيود من أنواع كثيرة، وهو يؤدى عمله!
ولكن ما هو مهم هنا، أن تكون عصبية الرئيس، فى خطاب شرق بورسعيد، محل مراجعة سريعة، سواء من الرئيس نفسه، أو من المحيطين به، والذين يشيرون عليه فى كل الأحوال!
والسبب أن الرئيس له بالكاد، عام ونصف العام، فى الحكم، وليس من الطبيعى أن يُصاب الرؤساء بالضيق من الانتقاد، بمثل هذه السرعة.. إذ السؤال هو: إذا كان سيضيق بالمعارضة، وبالنقد، وبالرأى الآخر، فى بحر عام ونصف العام، فما الذى سيفعله إذا قضى فى السلطة خمسة أو ستة أعوام، وكانت المعارضة له، عندئذ، أشد وأقوى؟!
وسؤال آخر: هل يعتقد الرئيس، أن الذين يعارضونه، أو ينتقدون أداءه هنا، أو هناك، يقفون ضده، وضد نجاحه؟!.. إذا كان يعتقد فى هذا، فهو مخطئ، لأن أغلب إن لم يكن كل الذين يعارضونه داخل الوطن، وعلى أرضه، إنما بالتأكيد يريدون النجاح له، ولفترة حكمه، لأن نجاحه كما قيل مرارًا، هو نجاح لكل واحد فينا، أو بمعنى أدق نجاح لبلد بأكمله.
إن كل ما يطلبه الواحد منا، ممن يعارضون، أو ينتقدون، أو يطرحون رأيًا آخر، أن يطرحوا دائمًا البديل، للشىء الذى يكون محل انتقاد، لا أن يكون الانتقاد هدفًا فى حد ذاته.. وإلا.. فليس هناك شخص لا يعرف سوء أحوالنا، فى اتجاهات كثيرة، وليس هناك مواطن تصادفه فى أى مكان، إلا ويظل يشكو مرة، وينتقد بؤس الأحوال مرات!
والمؤكد أن الفارق بين مواطن كهذا، وبين الذى يمارس العمل العام، من فوق شاطئ مقابل للشاطئ الذى يقف عليه الرئيس، ومعه حكومته، أن المواطن العابر ليس مطلوبًا منه، وهو يشكو سوء حاله، أن يطرح بدائل للحل، ليبقى الشىء نفسه، أقصد طرح بدائل الحل الممكنة والعملية، مطلوبًا ممن يخرج فى الإعلام، مثلًا وفى الحياة العامة إجمالاً، وينتقد أوضاعًا فى البلد يراها مختلة.
حين نقارن بين الرئيس السيسى، وبين الرؤساء الذين سبقوه، من أول ثورة يوليو 1952، إلى اليوم، سوف يكون هو أكثرهم هدوءًا، وأرحبهم صدرًا، وأشدهم تقبلًا للآراء التى تنتقد أداء حكومته، أو حتى تنتقده هو شخصيًا.. وتلك ميزة تظل فى حسابه، وتبقى فى ميزانه بالإجمال.
وهو مدعو بالقطع، إلى أن يشجع المعارضة، وإلى أن يعمل على ترشيدها فى الوقت نفسه، بهدوء، وبحكمة، وطول نفس، لأنها فى صالحه بشكل عام، وليست ضده بأى حال، بل لست أبالغ فى شىء إذا قلت صادقًا، أنه فى حاجة إليها، أكثر من حاجته إلى مؤيديه لأسباب هو يعرفها جيدًا قبل سواه!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف