الصباح
كمال الهلباوى
القدر والعلم
أعرف أن الحديث فى القدر أو عن القدر حديث صعب وشائك ولا ينتهى. الحديث اليوم له وجهة أخرى. يقول العلامة الحكيم الشيخ تاج الدين أحمد بن عطاء الله السكندرى فى الكتيب الذى جمع بعنوان: الحكم العطائية (سوابق الهمم لا تخرق أسوار الأقدار). تأملت فى هذه الحكمة وتطبيقها على الواقع الذى نعيشه اليوم، بعد أكثر من سبعمائة سنة على وفاة الرجل - رحمه الله تعالى -، (توفى سنة ١٣٠٩). طبعًا الهمة مطلوبة للتفوق فى كل المجالات، وبدون الهمة يصبح الإنسان مثل الرمة. ذكرى قول الرجل بقول آخر للإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - حيث يقول (ينبغى على المسافر أن تكون له همة، تسيره وترقيه، وعلم يبصره ويهديه). طبعًا (المسافر ) هنا تعنى المسافر إلى الله تعالى، الذى يعلم أنه فى رحلة سفر إلى مثواه الأخير مهما طال العمر. أهل الغرب عندهم همة كبيرة فى بناء المستقبل اعتمادًا على البحث والعلم، كما أن عندهم همة كبيرة فى الاستمتاع بالحياة الدنيا (من الدنية). تذكرت بعض هذه الأقوال والأحوال عندما طالعت فى الصحف البريطانية) (الجارديان) وغيرها ما وصلت إليه الأحوال والأوضاع فى شمال غرب بريطانيا، خصوصًا فى الأسبوع الماضى، وعلى الأخص فى «لانكشاير، وكامبريا، وكارليلى والمناطق والمدن والقرى المحيطة». العواصف والرياح قهرت العلم والتقنية والاستعدادات القوية. تذكرت قوله تعالى (وهو القاهر فوق عباده). تركت العواصف والرياح (٦٠) ألف بيت أو أكثر دون كهرباء ولا مياه نظيفة للشرب. وقد تحولت الشوارع إلى برك مما استدعى رجال الحماية المدنية إلى استخدام قوارب للحركة والإنقاذ فى الشوارع. تعطلت القطارات فى بعض المناطق ليوم أو أكثر من يوم، وخصوصًا بين برينستون وأسكتلندا. كثرت بذلك الحوادث وخصوصًا النقل واللوريات. عند هذا الحد تدخل الجيش للإسهام فى عمليات الإنقاذ. تذكرت الأحداث التى تعرضت لها الإسكندرية والبحيرة فى الشهر الماضى، وحجم الدمار الذى تعرضت له تلك المناطق، ومن تعرض للصعق أو الموت بسبب الأمطار والعواصف. قد يقول القارىء، فلماذا العمل والتعب؟ الغرب مع التقدم يتعرض لما تتعرض له بعض البلاد المتخلفة، عند العواصف. الجميع سواء. الأمر ليس هكذا ولا ينبغى التفكير بهذا المنطق الضحل. الإنسان له مهمة فى الحياة، ومنها إعمار الأرض، فضلًا عن العبادة. من هذا المنطلق، يجب على الإنسان أن يقوم بمهمته خير قيام. تساوى الدمار أمام أحداث القدر، ولكن المعاناة ليست واحدة، والإنقاذ يختلف من بلد متقدم ومتطور عنه فى بلد متخلف. يقول الله تعالى (وقل اعملوا) فالعمل مطلوب من الإنسان، وكل يعمل على شاكلته، كما جاء أيضًا فى القرآن الكريم. علينا أن نسأل أنفسنا ما هى شاكلتنا؟ مهمتنا فى الحياة كبيرة ومطلوبة، وذلك مع الإيمان بالقضاء خيره وشره. وعلى الإنسان العاقل ألا يستسلم حتى للقضاء مع الإيمان القوى به. يروى عن سيدنا عمر بن الخطاب أنه قال عن هذا الأمر، إننا نَفَر من قضاء الله تعالى إلى قضاء الله تعالى. ليس هناك مهرب من القضاء، ولكن هناك إيمان به والسعى لتخفيف آثاره. من أحسن طبعًا، ومن عمل صالحًا فلنفسه، ومن أساء فعليها، ولا يلومن إلا نفسه، فالله تعالى لايظلم أحدًًا، ولكن الناس كانوا أنفسهم يظلمون. الظلم درجات، والمظالم متعددة ومتنوعة، فالغرب عندما تقدم فى العلوم والتقنية، استخدم بعضها لظلم الآخر واستعماره، بل واستحماره. لذلك كان من الضرورى أن يتقدم أهل القيم الحقيقية، ويستخدمون ذلك التقدم فى الطاعة والدعوة إلى طريق الحق الذى تعلّموه من الخالق سبحانه وتعالى. ولا يستطيع أن يقوم بذلك إلا العالم الإسلامى عندما يحسّن فهم الإسلام والدعوة إليه، وعندما يتخلص من التطرّف والسلبية معًا، مع الإدراك الكامل بأن سوابق الهمم لا تخرق أسوار الأقدار كما قال: ابن عطاء الله السكندرى. والله الموفق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف