تفاءلت كثيراً حينما أعلن التليفزيون بأن الرئيس السيسي "سيتحدث" إلي الشعب.. لا خطاب ولا خطبة.. حديث من الرئيس إلي الناس كل الناس.. ثم ازداد تفاؤلي حينما بدأ الرئيس حديثه بأنه سيحرص علي الالتقاء بالناس ـ كل الناس ـ مرة في الشهر علي الأقل.
ـ لماذا تفاءلت؟؟؟
ـ لأنني عشت في تلك الليلة أجواء الحرب العالمية الثانية "1939-1945".. هتلر رئيس ألمانيا قرر احتلال انجلترا بلا أي داع ودون أي سبب.. فجأة بعد أن شعر بقوة جيشه الضخم وسلاحه الذي لا يملكه أحد.. وكان العقل والمنطق والواقع وكل الدلائل والمقدمات تؤكد أن هتلر سيحتل أوروبا كلها.. بل كاد يحدث هذا فعلاً حينما غزا كل دول أوروبا عدا حليفته إيطاليا وإسبانيا لعلاقته بديكتاتور إسبانيا!!
كان في المقابل إنجلترا لا تملك سوي أقوي أسطول في العالم حطمه هتلر تحطيماً.. وجيشاً متواضع العدد والعدة.
.. ولكن إنجلترا انتصرت وانتحر هتلر وعشيقته في مخبأ تحت الأرض.. لماذا؟؟.. ليس لأن إنجلترا كانت الدولة المعتدي عليها بلا داع.. ولكن لأن قائد المعركة الداهية السياسية ونستون تشرشل رأي أن الشعب الانجليزي إذا اتحد وتماسك ونسي نفسه وتطلعاته ورغباته وكل شيء عدا بلده وأهله وأسرته وأولاده وكرامته من كرامة بلده.. الشعب إذا أصبح يداً واحدة وصفاً واحداً وأمنية واحدة لا يمكن أن ينهزم مهما كانت القوة المعادية.. لذا تحول الشعب الانجليزي إلي أسرة واحدة لها أب واحد يقول.. والكل السمع والطاعة بلا مناقشة ولا مجادلة ولا حتي تفكير.. الثقة العمياء بين الشعب الانجليزي وقائده تشرشل هي سبب النصر.
لذا كان تشرشل حريصاً علي أن يجتمع مع أعضاء مجلس العموم كل مساء.. ويتحدث ويصمت الجميع.. كان هتلر قد قصف مجلس العموم وحوله إلي أنقاض فتم بناء مجلس آخر تحت الأرض وسط المخابئ!!
كان تشرشل كل يوم يروي في المجلس كل الأحداث بصراحة غريبة.. طالب تشرشل بالتقشف والأحزمة علي البطون.. بيضة واحدة كل يوم وثلاث قطع سكر.. فصاح الأعضاء جميعاً.. بيضة كل أسبوع وقطعة سكر واحدة كل يوم!! قرر الشعب أن يجوع ولكن ينتصر.
من صراحة تشرشل الغريبة.. حينما اكتسح هتلر فرنسا بعد أن حطم خط "ماجينو" الذي كان خط "بارليف" في سيناء علي غراره بالضبط.. فانفتح الطريق أمام هتلر ليحتل فرنسا بسهولة فصاح الرئيس بيتان رئيس فرنسا معلناً أن "باريس مدينة مفتوحة" وهو تعبير حربي يطالب العدو بأن يدخل باريس دون غارات أو مدافع أو أي تحطيم أو قتل لأن المدينة مستسلمة ولا يوجد فيها أية مقاومة ذلك لكي يحافظ علي جمال أجمل مدينة في العالم.. وقد كان.
ولم يعد أمام هتلر سوي أن يعبر المانش ليدخل إنجلترا.. ولكنه آثر أن يضع مدفعيته بعيدة المدي علي شاطئ فرنسا ليدك مدن الساحل الانجليزي.
في هذه الليلة الليلاء قال تشرشل لأعضاء مجلس العموم إن هتلر يمكنه أن يحتل انجلترا بسهولة لأنه لن يجد جيشاً يقاومه.. ولكنه سيجد شعباً يرفضه ويؤرقه.
ظن هتلر بغبائه أن تشرشل يستدرجه لكي يحطمه ويغرقه في مياه المانش أو بالألغام علي طول الشاطئ.. والحقيقة أن فعلاً هتلر كان باستطاعته احتلال انجلترا في ساعة أو ساعتين ولكنه قرر أن يظل يرسل قذائفه بعيدة المدي مع قنابل طائراته حتي تعلن انجلترا الاستسلام وترفع الراية البيضاء وهو ما كان من المستحيل أن يحدث لشعب قرر أن الأرض أغلي من حياته.. شعب أسرة واحدة لها أب واحد.. فانتصروا..
***
وأنا أستمع للرئيس السيسي تذكرت كل هذا.. نحن شعب واحد بل أسرة واحدة لها أب واحد.. يصارح أهله وأولاده بكل شيء.. نحن جميعاً في مركب واحدة في بحر هائج وأمواج عاتية من كل مكان.. لذا أعطينا المجداف لشخص واحد سيصل بنا بإذن الله تعالي إلي الشاطئ الذي طالما كنا نحلم به.. سنصل بإذن الله إن شاء الله تعالي مادمنا كلنا يد واحدة.