الوطن
سهير جودة
متى ينتهى زمن الكلام؟
متى كان لنا نصيب فى العلم ثم العمل ثم العطاء والاجتهاد والدقة، ومتى آمنا بأن خير الكلام ما قلَّ وخير الفعل ما دلَّ وافعل خيراً أو اصمت؟ هذا اليقين هو نقطة البداية للطريق الصحيح.

العلم والعمل والعطاء والاجتهاد والدقة.. هذا الخماسى ضرورة حتمية وفرض عين لنا جميعاً يتلازم معه الانتقال من زمن الكلام الكثير والحناجر التى تشتهى الكلام إلى زمن الأفعال، فنحن لسنا فى زمن كان أحد شعاراته «قول يا عم الشيخ إمام.. الوطن محتاج كلام»، فالوطن الآن أهلكه الكلام وأنهكته قلة العمل، ونحن فى احتياج لاستعادة عافية الوطن، بل فى احتياج إلى بعث وميلاد جديد بأفعال مؤثرة وإيجابية وحالة إبداع وإتقان ومناخ واتجاه عام يفرض هذه القيم ويرسخها.

الوطن فى احتياج إلى نوايا وطنية يصدقها العمل ويدل عليها ويبدل بها أحوالنا إلى الأفضل.

العبور من المأزق الاقتصادى الذى لم نصل إليه من قبل يعنى تجاوز نصف مشاكلنا والنصف الباقى قابل للحل بما فيها المشاكل السياسية ومشاكل التطرف. والوضع الاقتصادى الحرج والصعب لن يغيره سوى العمل الجاد وطرح حلول غير تقليدية لتجاوز الضربات الداخلية والخارجية وظهور نوايا وطنية بأفعال بعيدة عن الأشكال النمطية التى لا تسفر عن شىء أو الحماس الوقتى الذى يفقد وهجه بعد قليل أو المسيرات التى لا تغنى ولا تسمن من جوع. هذه الطرق لا تصنع فارقاً أو تغييراً.

الوطن فى احتياج لإعلان نوايا وطنية بأداء مختلف فى جميع القطاعات أهمها قطاع المال والأعمال، خاصة القطاع العقارى الذى حوّل مصر إلى غابة من المنتجعات، وبعيداً عن مكاسبه الخيالية فلماذا لا تأتى مبادرة من هذا القطاع من خلال جهات مثل اتحاد الصناعات والغرف المتخصصة فيه وجمعيات رجال الأعمال والمستثمرين، وهى موجودة بالعشرات، فلو خرجت عنها مبادرة تغطى مناطق تعجز ميزانية الحكومة عن تقديمها فستحدث فارقاً. فالشركة التى تملك أو تنشئ خمسة منتجعات تكون ملتزمة ببناء عدد من الوحدات السكنية لمن هم أقل دخلاً سواء كان إسكاناً متوسطاً أو تحت المتوسط فى أماكن تحددها الحكومة.

وتقوم شركات أخرى ببناء عشر مدارس فى الأماكن المحرومة فى مقابل كل مشروع إسكانى فاخر وشركات أخرى تلتزم بتجديد مدارس فى أماكن ومدن حيوية أصبحت منهارة المبانى والخدمات أو بناء مستشفيات فى الأماكن الأكثر احتياجاً، ونفس الشىء يمكن أن ينطبق على القطاعات الأنشط فى السوق المصرية مثل قطاع الاتصالات وقطاع البنوك فلو كانت هذه القطاعات جادة فى بعث وميلاد وطن جديد فسوف تقدم نموذجاً لعمل اجتماعى صحيح يرفع العبء عن كاهل الدولة ويحدث أثراً سريعاً وحقيقياً ويصل لمستحقيه فوراً بعيداً عن التعقيدات الحكومية، إلى جانب أنه سيمحى أزمة الثقة فى المجتمع والاحتقان بين الطبقات والشرائح، بالإضافة إلى أن النخبة المصرية السياسية والثقافية والاقتصادية لا بد أن تدخل مرحلة الإفاقة والخروج من وهم المصالح الشخصية والضيقة وتدرك أن مصلحتها أولاً أن تلعب دوراً فى كيف يعيش الآخرون بشكل أفضل لأن الصفوة فى جميع المجالات هى الخاسر الأكبر فى ظل بقاء الوضع على ما هو عليه أو الانتقال إلى الأسوأ.

نقابة الممثلين ونقابة الموسيقيين ونقابة السينمائيين واتحاد النقابات لا بد أن تقدم أفعالاً تثبت أنها كيانات ونقابات حقيقية وليست مسميات ورقية، لا بد أن يكون لهذه النقابات أفعال وجدول زمنى لمدة عام على الأقل تقدم فيه حفلات غنائية وعروضاً مسرحية وغيرها من الفنون التى يقدمها نجوم لهم جمهور وتأثير.

إذا كان الفنانون لديهم نوايا وطنية وليست ميولاً استعراضية فليقدموا الفنون فى كل محافظات مصر وفى العواصم العربية وللجاليات العربية فى أوروبا والولايات المتحدة ويخصص عائدها للمجهود الوطنى بدلاً من الاعتماد على فكرة التبرعات التى تأتى أو لا تأتى، فالفارق بينها وبين التبرعات أنها ليست مجرد أرقام تجمع أو يخرجها أحد من جيبه

ولكنها تخلق حالة فنية وثقافية حقيقية، وبالتالى تلعب هذه القطاعات أدواراً لا تستطيع الحكومية والدولة فعلها، فالقرى الأكثر فقراً والمدارس الأكثر تعاسة والمستشفيات التى لم توجد بعد قائمة تحتاج إلى علاج عاجل لا ينتظر تعديل الوضع الاقتصادى وعبورنا من النفق الأصعب.

إذا ترجمت الوطنية إلى كلام فأنت من الأدعياء وإذا ترجمت الوطنية إلى أفعال وعطاء وصدق فأنت من الأوفياء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف