الأهرام
محمد ابو الفضل
ملاحظات على التحالفات ضد الإرهاب
عندما يسمع كثيرون ولادة تحالف جديد ضد الإرهاب، يتوجسون خيفة، ويشعرون بأن هناك أهدافا معلنة، وأخرى سرية، الأولى تدغدغ مشاعر الناس، وتلعب على وتر الهلع من العنف المنتشر فى المنطقة، والثانية تخدم أغراضا خفية، لا يعرف أحد فحواها وتفاصيلها، إلا أصحاب المبادرات.

فى كل التحالفات التى جرى التفكير فيها، أو أعلن عنها خلال الفترة الماضية، كانت الازدواجية السابقة حاضرة، والتى ترعاها الولايات المتحدة، صاحبة أشهر التوكيلات فى هذا الفضاء، من أفغانستان إلى العراق ثم سوريا، ومعهم طبعا الصومال.

وفى جميع الحالات، تعلن واشنطن شيئا بريئا، وتخفى أشياء شريرة، ولعل ما يجرى فى سوريا، واحد من المشاهد العبثية، التى استخدم فيها التحالف الدولى لمكافحة الإرهاب، لخدمة أجندات، أسهمت فى إطالة أمد الحرب والإرهاب، حتى تدخلت روسيا، وبدأت الدفة تتغير، حيث أمسكت بزمام جانب من الأمور، وبدت تتعامل بحنكة، مستفيدة من تجربتها وأخطائها السابقة فى أفغانستان.

وعندما تمكنت من القبض على مفاصل أمنية وسياسية متعددة فى سوريا، بدأت الجبهة المناهضة لها تضع المطبات على الأرض، وعندما تبين أنها لن تقع فى حفرة سوريا، تم الالتفاف عليها، بطرق عسكرية وسياسية، للحد من قدرتها على تقسيم الكعكة كما تريد، فالتضحيات التى قدمت من أجل سوريا كبيرة، ومن يخرج منها مهزوما، لن يخسر جزءا كبيرا من طموحاته وتطلعاته الحالية فقط، بل سيواجه بهزيمة منكرة فى المستقبل القريب، لذلك كان وضع روسيا وحلفائها وأصدقائها والمتعاطفين معها فى مربع الأمر الواقع.

مربع تتسارع فيه خطوات التسوية السياسية، وتأخذ معها التصورات العسكرية، لأن الصمت طويلا على تصرفات موسكو، يمكن أن يساعدها فى الحصول على الجائزة بأقل تكلفة ممكنة، فكان مؤتمر الرياض للمعارضة السورية، والذى انتهى إلى نتيجة يصعب أن تلتقى مع الأفكار الروسية، فقد تمخضت عنه توصيات تدعم رؤية الطرف المقابل، وجاء إعلان التحالف الإسلامى العسكري، ليعزز التوجهات السياسية، لأنه يمنح المعارضين لموسكو مزايا، لها أنياب وأظفار إقليمية ودولية.

دعك من العبارات الفضفاضة التى حملها التحالف، وتوقف عند الجهة المستهدفة، من الحشد المعنوى والمادي، ودعك من المفاجأة والإحراج والمخاوف التى شعر بها البعض، ممن قيل إنهم ضمن الأعضاء الـ 34 فى التحالف الجديد، وتوقف عند أسماء الدول المنضوية تحت لوائه، أو المستبعدة من جنته، ستجد أن الحصيلة المطلوبة وضع نهاية للأزمة السورية، بما يتناسب مع البدايات، التى أرادتها قوى معينة، وقطع الطريق على ما يمكن أن تحرزه موسكو من مكاسب، بعد أن كادت تنجح فى تحويل الواقع القديم إلى جديد، يعمل ضد مصالح أطراف، دفعت ثمنا باهظا لتقطف الثمار. هذه اللعبة ومفرداتها السياسية الساخنة، تجعل المراقب لتطوراتها، يقلق من التداعيات المنتظرة من وراء أى تحالف يعلن عنه ضد الإرهاب، ويتشكك فى النيات النهائية له، وكان هذا حال كثيرين فى اللافتات والشعارات التى رفعتها الولايات المتحدة سابقا، وحلفاؤها حاليا، ومن هنا يمكن رصد أربع ملاحظات أساسية حول التحالفات المعلنة ضد الإرهاب، أو حتى التى تزعم أنها تناهض الإرهاب.

الأولى: هذه النوعية من الإجراءات تكون غالبا مقدمة لترتيبات جديدة، أو محاولة إيجاد أمر واقع يساعد رعاة مكافحة الإرهاب على تغيير مسارات الأحداث لمصلحتهم، ويتم استخدام أنواع مختلفة من الخداع السياسى والإستراتيجي، حتى يتسنى الوصول للهدف النهائي، وفى حالة الزخم الراهن، نجد المطلوب طى صفحة مرحلة، تمهيدا للشروع فى بدء مرحلة أخرى، تتبدل فيها الوجوه والأشخاص والسياسات، لكن من الصعوبة أن تقود إلى تثبيت دعائم الاستقرار.

الثانية: ضم مجموعة من الدول والأطياف، أبرز ما يجمعها أنها حليفة أو صديقة أو قريبة من الولايات المتحدة، وربما تدين بالولاء لها، وما نراه فى المنطقة والتحالفات المعلنة، قديما وحديثا، ضد الإرهاب يصب فى هذا المعنى، الذى يريد تأكيد أن واشنطن لها اليد الطولى، وتملك تأييدا كاسحا وسطا لآلياتها فى الحل والعقد، بعكس روسيا، التى تملك عددا قليلا ممن يريدون الدوران فى فلكها، وهى سياسة يمكن أن تفضى إلى اهتزازها، أمام عملية الفرز التى جلبها إعلان التحالف الإسلامى العسكري.

الثالثة: قد يتصور البعض خطأ أن التحالفات التى تنشأ لمقاومة الإرهاب تقضى عليه، فهى تعيد إنتاج الأزمة، وتدخلها فى طريق مغاير، لا يؤدى بالضرورة إلى حلها، لكن يدخلها دروبا ودهاليز، تطيل عمرها، فقد تحقق الهدف الظاهر لها، كأن تتمكن من القضاء على الرئيس السورى بشار الأسد، لكن غير مضمون أن تنجح فى تثبيت الوضع الذى سيخلفه، وهذه واحدة من السمات الرئيسية التى أنتجها رفع شعار مكافحة الإرهاب، فى كل من الصومال وأفغانستان والعراق.

الرابعة: التركيز على البؤرة المستهدفة، وترك بؤر أخرى مجاورة، أو بمعنى أدق غض الطرف عن مساحات فارغة، ينمو ويترعرع فيها الإرهاب، فالتحركات التى ظهرت ملامحها فى البيان المؤسس للتحالف الإسلامى العسكري، ترمى للتركيز على سوريا، وجاء على ذكر أماكن أخرى على استحياء، بالتالى فالهدف التدخل وإسقاط نظام بشار، حتى لو كانت الدول التى ستشرع فى التدخل مسئولة عن انتشار الإرهاب، بالتمويل والتأييد، وتسهيل عمليات العبور.

المشكلة التى سوف يقود إليها هذا الاتجاه أنه يسمح بتجمع الإرهاب فى أماكن بعيدة، فهناك قوى مؤمنة بأن التعامل مع الإرهاب لا يعنى القضاء عليه، لكن تبديل الأماكن والأدوار، والقيام بعمليات تفكيك وترحيل، وتجميع العناصر الإرهابية فى مكان آخر، ليس ليتمكن أصحاب هذه النظرية من إبعاد المخاطر عنهم، لكن لتهيئة الأجواء لمباراة أخرى، أملا فى استكمال الأهداف التى لم تتحقق فى الجولة السابقة، لأن جميع التحالفات التى رفعت هذا الشعار أخفقت فى إتمام مهامها بنجاح، فدائما تترك خلفها ذيولا، تكون ذريعة أو أداة لتدخلات جديدة فى المستقبل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف