بعد نجاح «ثورة 25 يناير 2011» فى تغيير الرئيس وازاحة النظام السابق وخلع رموزه، كان الحديث التلقائى والعفوى للمواطن يدورحول: من يتولى المسئولية..ومن يصلح لحكم مصر؟، وكانت الاجابة: «اى حد» - بعيدا عن الطغمة الفاسدة التى كانت فى نظام مبارك - يمكن أن يحكم.. «أى حد» يصلح بعيدا عن النظام الفاسد.. ومع مرور الوقت أكتشف المواطن المتفائل بالثورة أن كلمة «أى لاتسمن ولاتغنى من جوع» بل والمفاجأة المذهلة أنه حتى النخبة والرموز الوطنية التى وقفت مع الثورة، وتوسم فيها المواطن حسن الظن والقدرة على إدارة الأمور وتسيير سفينة الوطن إلى بر الأمان، لم تتمكن من تحقيق الحد الأدنى من آمال المصريين الذين خاب أملهم فى «أى حد» وفى النخبة أيضا..
حدث ذلك أيضا مع مجلس الشعب الموقر وأعضائه، الذين توسم فيهم الشعب التمثيل الصادق والمعبر عنهم، خاصة أنهم كانوا وقتها يبدون أنهم الأقرب إلى العقيدة والمعنيون بالمبادئ، إلا أنهم كانوا الأبعد عن العقيدة والأكثر استخفافا بالمبادئ، فاكتشف الشعب أنه بلا مجلس، وأن المجلس لاشعب يمثله..
ماحدث أمر عادي، ومن الطبيعى ألا ننزعج من هذا الاكتشاف المفاجئ لفشلنا فى إدارة الدولة، أو التعبير عن الشعب بعد الثورة، الى أن تم تصحيح المسار فى 30 يونيو، لأننا على مدى أكثر من 30 عاما، وفى قول آخر 60 عاما، لم نمارس أو نتعلم أو نتربى على كيفية وأسلوب إدارة الدولة، أو حتى المشاركة فى العمل العام.. كلنا - بلا استثناء فى حاجة الى التعلم والتدريب والممارسة لإدارة هذا الوطن بما يستحق من الجدية والأمانة.. أعيد التذكرة بذلك لاننا أمام أول برلمان منتخب يعكس ارادة المصريين بعد مشوار ومسيرة من التحديات استغرقت 5 سنوات كاملة، استكملت خلالها اضلاع مثلث قيام الدولة وهى الدستور والرئيس والبرلمان..
وبالرغم من أن البرلمان سيبدأ نشاطه، قبل نهاية الشهر الحالي، محصنا بمواد الدستور الذى أسس للبرلمان وأعضائه سبل القيام بمهامه، فإننا بصدد أول برلمان بعد ثورتين لانتوقع ان تمر الجلسات مرور الكرام، أو غير الكرام، لأسباب لاحصر لها، تبدأ بقانون انتخاب عقيم، وتقسيم غير متكافئ للدوائر الانتخابية، وتشكيل كيانات تخدم سياسات بعينها بعيدة عن طموح المصريين وآمالهم فى التغيير، وهذا أمر ليس مفزعا لأنه وارد أن تكون نتيجة «قانون وتقسيم وسياسات» ولادة برلمان بلا ملامح.
واذا كانت الجهود تسعى لاضفاء ملامح وسمات لهذا البرلمان - الذى أعتقد أنه برلمان بروفة او بداية وتجربة لبرلمانات أخرى قادمة وهى فى سعيها تعيدنا الى ماقبل 25 يناير 2011، فإننا نتمنى أن لاتنسحب أساليب المعارك الانتخابية وماشابها من انحراف سلوكى وقيمى ولفظى من البعض، على جلسات المجلس الذى سيبدأ جلساته على الهواء وفقا للدستور.
واللافت أن الشعار الأزلى والتقليدى المكتوب أعلى لافتة مجلس النواب الرئيسية بشارع مجلس الشعب عند ميدان التحرير، تقول كلمات تحتاج إلى شرح وتفسير: «الديمقراطية هى توكيد السيادة للشعب» مامعنى كلمة توكيد؟، ولماذا لم تكتب كلمة «تأكيد» وهى الاقرب للفهم، ولماذا لانستخدم كلماتنا البسيطة التى يفهمها الرجل العادى مثل: «الشعب مصدر السلطات»..ثلاث كلمات معبرة وبسيطة ومفيدة ومباشرة ومختصرة بدلا من كلمات تحتاج إلى بيان وتوضيح من خبير مثل «سيد قراره» أو «موافقة» من مجمع اللغة العربية..