سامى شرف
ادارة الأزمات فى مؤسسة الرئاسة
تجدر الإشارة الى أنه اعتبارا من إعادة تنظيم مؤسسة الرئاسة سنة 1958 استجد فى العمل اليومى ما أطلق عليه نظام التلقين اليومى briefing daily وكان الغرض منه هو تقديم موجز للأحداث الداخلية والخارجية فى مختلف المجالات علاوة على أن هذا النظام قصد به أيضا التنسيق ومنع الازدواجية فى تلقى المعلومات بالإضافة إلى إيجاد علاقات إنسانية وإذابة الحساسيات بين الجهات المعنية وحل ما قد ينتج من مشكلات أو سوء فهم كان يحدث فى بعض الأحيان نتيجة ظواهر صحية لتبادل وتوصيل المعلومات للرئاسة. كان يتم إعداد هذا التلقين اليومى فى اجتماع يعقد فى العاشرة من صباح كل يوم فى سكرتارية الرئيس للمعلومات بالقصر الجمهورى بالقبة برئاسة على صبرى وزير (كان عمره 35 سنة) شئون رئاسة الجمهورية ويحضره رئيس المخابرات العامة أو أحد نوابه ووزير الخارجية أو نائبه ورئيس مصلحة الاستعلامات وسكرتير الرئيس للمعلومات ومن يتطلب الأمر استدعاءه من المسئولين حسب المشكلة أو الأزمة.
وكان الحضور هم أمين هويدى (34 سنة) نائب رئيس المخابرات وحسين ذو الفقار صبرى (36 سنة) نائب وزير الخارجية ومحمد عبدالقادر حاتم (35 سنة) وفى فترة محدودة كان يحضر أيضا كمال الدين رفعت (35 سنة) بصفته نائبا لوزير رئاسة الجمهورية وسامى شرف (26 سنة) سكرتير لتسجيل محضر الاجتماع وتجهيز الموجز والملاحق التى تضيفها سكرتارية المعلومات والتى ستعرض على رئيس الجمهورية.
عقب عدوان 1967 شكلت لجنة أمن قومى مصغرة تجتمع مرتين يوميا من كل من شعراوى جمعة (45 سنة) وأمين هويدى وسامى شرف ولهذه اللجنة أن تلتقى من تراه من المسئولين لبحث المسائل المتعلقة بتسيير أمور الدولة وكمصغر لمجلس الوزراء، وتعرض على الرئيس أهم الموضوعات والتوصيات فى مجال تسهيل عملية اتخاذ القرار. وبعد مؤامرة المشير عبدالحكيم عامر تطورت هذه اللجنة لتضم كلا من محمود رياض والفريق أول محمد فوزى أو الفريق محمد أحمد صادق أيهما يسمح الوقت بمشاركته فى الاجتماع وعبدالمحسن أبو النور بالإضافة إلى شعراوى جمعة وأمين هويدى وسامى شرف.
وفى بعض الأحيان كان يصعب إتمام اللقاء فى مسائل عاجلة وحيوية فكان يعقد ما يسمى المؤتمر التليفونى عبر شبكة تليفونات ساخنة خاصة كانت تحت سيطرة المخابرات العامة وذلك بفتح خطوط تليفونية يستحيل التدخل عليها لأنها مشوشرة، بين المؤتمرين الذين يتبادلون بحث الموضوع فى سرية وبسرعة دون اللقاء حول مائدة الاجتماعات.
فى عام 1969 وعلى وجه التحديد اعتبارا من يوم 13 سبتمبر 1969 وهو اليوم الذى أصيب فيه الرئيس جمال عبدالناصر بالأزمة القلبية الأولى أعيد تشكيل مجموعة التلقين اليومى أطلق عليها اسم «لجنة العمل اليومي» وكان يرأسها أنور السادات وتضم على صبرى وشعراوى جمعة وأمين هويدى والفريق أول محمد فوزى وسامى شرف كما كان ينضم اليها فى بعض الأحيان محمد حسنين هيكل. وكانت هذه اللجنة تقوم باستدعاء أى من المسئولين أو الوزراء من ذوى العلاقة بالموضوع أو المسائل محل البحث. وكانت هذه اللجنة تجتمع فى سكرتارية الرئيس للمعلومات بمنشية البكرى مرة أو مرتين فى اليوم حسب تطورات الموقف الداخلى والخارجى والعسكرى .. إلخ وفى بعض الأحيان كان يتم الاجتماع فى قصر الأمير عبدالمنعم بمنطقة بين روكسى والقبة.
أما بعد رحيل الرئيس جمال عبدالناصر يوم 28 سبتمبر 1970 فكانت هذه اللجنة مشكلة من كل من : عبدالمحسن أبو النور الأمين العام للاتحاد الاشتراكى ومحمود رياض وزير الخارجية وشعراوى جمعة وزير الداخلية وأمين حامد هويدى وزير الدولة ـ حتى تم تعديل وزارى فى 14 نوفمبر 1970 وترك الوزارة ـ ومحمد فائق وزير الإعلام وسامى شرف وزير شئون رئاسة الجمهورية ومدير المخابرات العامة (محمد حافظ إسماعيل ثم أحمد كامل) ومدير المخابرات الحربية اللواء محرز مصطفى عبدالرحمن ـ وكانت مهمة هذه اللجنة استمرارا لما كانت تقوم به اللجان المشابهة والمشكلة من سنة 1958 وهى باختصار استعراض المسائل الكبرى ووضع التوصيات اللازمة بشأنها وعرضها على الرئيس لاتخاذ القرار المناسب سواء بالموافقة أو بالرفض أو بالتعديل والتوجيه بمزيد من البحث وتتولى سكرتارية الرئيس للمعلومات إجراءات التنفيذ والمتابعة وكذا متابعة المتابعة. لقد كان جمال عبدالناصر يحرص على الحصول على المعلومات من مصادر عدة ولم يحصر نفسه فى إزار واحد محدد من أجل هذا الغرض وكان يتخذ هذه الصيغة كوسيلة للمحافظة على توازنات معينة ـ من وجهة نظره ـ بين المؤسسات والأشخاص، لكن المهم أن سكرتارية المعلومات كانت تقدم له الإطار التنظيمى أو المؤسسى لدورة المعلومات منه وإليه، وعلى مدى ثمانية عشر عاما لم تنقطع الصلة مع عبدالناصر المعلم والقائد والرئيس والإنسان، ساعة واحدة، وكان يطلب إبلاغه بكل صغيرة وكبيرة، فكانت سكرتارية المعلومات هى المركز الذى يتجمع فيها كل المعلومات دون استثناء وكانت تعمل على مدار الأربع والعشرين ساعة يوميا. يضاف إلى ماتقدم من مبادئ العمل وشبكة العلاقات منهج الرئيس عبدالناصر فى تحقيق الشفافية الكاملة فى تداول المعلومات على كل أصحاب الشأن والاختصاص، وامتلاك القدرة على المواجهة الحاسمة عند وقوع خطأ أو تجاوز، وفى الشق الأخير فقد كنت أنا فى غالبية الأحوال قناة الرئيس فى توصيل القرار لصاحب الشأن، أو المكلف بإعداد الدراسة المطلوبة عن الواقعة أو الوقائع التى انتهت بقرار الرئيس باستبعاد أو تنحية شخص أو أكثر أو حتى تفادى موقف ما واحتواء وشايات دست ضد البعض .. كل ذلك جعلت من يجهل هذه الآليات يصف سكرتارية المعلومات بأنها «دولة داخل الدولة»، رغم أن عملها كان محكوما طول الوقت بتوجيهات الرئيس وسياسات النظام، ولم يكن لها فى أى وقت من الأوقات جهاز استخبارى خاص بها وهنا أتحدى أى شخص أو جهة تدعى بغير هذه المقولة، كما لم تكن أيضا تتصرف وفق الهوي، وكثيرا ما واجه الرئيس عبدالناصر هذه الظنون بنفسه مؤكدا لأى شخص يرددها بأن «بأن سامى شرف لا يتصرف دون علمى أو بمعزل عن أوامرى المكتوبة أو الشفوية». ذلك كان هو الإطار العام الذى عملت من خلاله منذ توليت هذه المهمة فى سنة 1955 وحتى رحيل الرئيس جمال عبدالناصر، ودورى لم يقتصر على المفهوم الإدارى لوظيفة سكرتارية المعلومات بوصفها قناة ربط بين الرئيس ومختلف مؤسسات وشخصيات الدولة، وإنما تحول وإنما تدريجيا دور المستشار السياسى وكاتم الأسرار والفاعل الرئيسى فى تنفيذ الكثير من المهام بناء على تكليف من الرئيس خاصة فى المجالات الأمنية والسياسية الداخلية والخارجية أيضا وكذلك فى العمل الشعبى وفى التنظيم الطليعى سواء فى مرحلة التأسيس أو التنظيم والتنفيذ وتحمل المسئوليات على مستوى القيادة والأمانة العامة للتنظيم الطليعى أو فى قيادة منطقة شرق القاهرة وجامعة عين شمس وهى المنطقة التى شهد الجميع والأحداث بقدراتها وقوتها وتنظيمها الذى غطى كل مربع سكنى على مستوى المنطقة مما قد أتعرض له فى دراسة أخري، وكان أنور السادات يدرك ذلك جيدا بل وحاول أن يواصل نفس الأسلوب بعد رحيل الرئيس جمال عبدالناصر، لكن الرواسب كانت أكبر من القدرة على تجاوزها أو كتمانها، وإذا كانت العلاقة الشائكة مع المؤسسة العسكرية قد تم تصفيتها بعد يونيو 1967 وفى حياة جمال عبدالناصر فإن العلاقات مع نائب الرئيس أنور السادات لم تأخذ فرصتها لهذه التسوية على الإطلاق .
وللحديث بقية لو فى العمر بقية