الوطن
ناجح ابراهيم
زراعة الموت.. أم تجربة «الغنوشى»؟!
أراد الزوج أن يجدّد بطاقة الرقم القومى لزوجته.. ذهب بها إلى قسم شرطة المنتزه بالإسكندرية.. حمل طفلته لتصوير بعض الأوراق خارج القسم، ودخلت زوجته القسم، لإنهاء الإجراءات.

فى الوقت نفسه، تسلل شاب يحمل كيساً أسود اللون ووضع الكيس خلف القسم مباشرة.. انفجر الكيس وقت مرور الرجل بابنته بالقرب من القسم، وقع الرجل على الأرض بعد أن أصيبت قدمه.. أدرك الأهالى الطفلة ونقلوها بعيداً وحملوا الرجل إلى المستشفى الذى قام ببتر بعض أصابعه.

قبلها بأيام، كان هناك ثلاثة شبان يسيرون بسيارتهم ومعهم متفجرات محلية الصنع لم يحسنوا صنعها، حيث تعلموا طريقة صنعها عبر النت فقط.. انفجرت العبوة مع اهتزاز السيارة أثناء مرورها على مطب.. تمزّق جسد الشاب الذى يجلس بجوار العبوة ولفظ أنفاسه فوراً.. وأصيب السائق وصديقه الذى يجلس بجواره إصابات بالغة.. لا يعلم أحد أين كان ينتوى الثلاثة تفجير هذه العبوة.. هل فى كمين شرطة أو فى قسم شرطة أو فى مبنى حكومى أو فى محول كهرباء.. أم ماذا؟! الله أعلم.. المهم أنهم كانوا ينتوون تفجيرها فى موقع حكومى.

تنتقل الموجة فجأة من الإسكندرية إلى محافظة المنيا التى دخلت حديثاً على خط التفجير والعنف.. فقد قام شابان يركبان «موتوسيكل» ومعهما كيس أسود أمام أحد المساجد فى مدينة سمالوط.. وإذا بهذا الكيس ينفجر بمجرد وضعه على الأرض ويُقتل الشابان على الفور.

ويبدو أن العبوة المتفجّرة بدائية الصنع تمت صناعتها على عجل أو بطريقة خاطئة، فانفجرت فى صناعها.. وقتلت من أراد أن يقتل الآخرين، وفجرت من أراد أن يفجر غيره.

لقد تفكرت طويلاً فى مثل هذه النماذج.. وماذا كان يعتمل فى نفوسها فى مثل هذه اللحظات الحاسمة التى ستؤدى حتماً إلى تفجيرها أو تفجير آخرين لا يعرفهم وليس بينه وبينهم خصومة ولا يعرف مدى صلاحهم أو فسادهم.. ولا يدرى إن كان قتلهم سيصلح المجتمع أم سيزيده فساداً.

تفكرت فى نفسية هذا الإنسان الذى يستسهل قتل غيره بأسوأ أنواع القتل وهو التفجير العشوائى.. وكأن صناعة الموت وإدخال الآخرين القبور دون ذنب وزرع اليُتم فى البيوت والألم فى النفوس شىء سهل عند الله وعند الناس، وفى الدنيا وفى الآخرة.

لماذا لا يبحث هذا الشباب عن صنع البسمة أو زرع الأمل فى النفوس أو مسح الدموع التى تسيل يومياً من آلاف المأقى.

لماذا ييأس وهو فى ريعان الشباب فيزرع اليأس والموت فى كل مكان.. وهل زرع الموت سيُحقق أمله المفقود وأحلامه الضائعة.. أم سيُباعد بينه وبينها؟!

وإذا ظلم قريب له أو سجن شقيق له ظلماً أو بخس حقه فى أى شىء، فهل يُبرر له ولأمثاله أن يزرع الخوف والرعب والقتل والتفجير فى كل مكان دون وجه حق؟

وماذا لو أصابه هذا التفجير كما حدث فى مثل هذه الأمثلة.. هل تفكر فى نفسه التى تصرّف فيها دون وجه حق ودون مسوغ شرعى وقانونى.. فيحرم عليه قتلها كما يحرم عليه قتل غيره؟

هل تفكر فى دموع أمه وكسرة أسرته وانهيار أبيه على موته؟

وهل تذكر أن كل قنبلة سيزرعها ستقتل ولا تحيى.. وتهدم ولا تبنى.. وتبكى ولا تضحك.. وتؤلم ولا تسعد.. وستحشر أناساً إلى القبور وآخرين إلى السجون.. وستبغض الناس فى الإسلام وتباعدهم عن الشريعة؟

ألم يسأل مثل هذا الشاب نفسه عمن أعطاه تفويضاً بقتل الآخرين وتفجير الممتلكات العامة والخاصة؟

وأين هذا الصك الذى حمله مثل هذا الشباب ليقتل نفسه أو غيره.. ويخوض معارك لا أول لها ولا آخر فى غير ميدان ودون جدوى.. ودون أن توجد المفقود من الشريعة بل تزيده.. ودون أن تزيد الموجود من الشريعة بل تنقصه؟

ولماذا يترك إعلام الدماء من الفريقين ليشحن كل واحد منهما أتباعه بمناظر الدماء والقتل التى قد يكون قد مضى عليها سنوات؟ لتطل النفوس محتقنة وليشحن كلاهما أتباعه بجرعات زائدة من الكراهية والحقد والرغبات الجارفة فى الانتقام، دون حديث عن صلح أو عفو أو رحمة أو حوار أو تفاهم.. أو وقف للصراع أو نزيف الدماء.

لماذا نجنى على الشباب بدعوته الدائمة للانتقام والثأر؟! وإلى متى ستظل دوامة التظاهر أو التفجير أو حرق محولات الكهرباء والترام والأوتوبيسات، وتظل فى المقابل دوامة الغاز والرصاص والخرطوش والدماء؟ أليس لهذه المنظومة نهاية؟! أليس فى المعسكرين رجل رشيد؟!

أليس فى مصر رجل مثل راشد الغنوشى الذى أدرك أهمية «فقه المصالح والمفاسد» وهتف بلسان هذا الفقه العظيم «لئن نكون فى المعارضة خير من أن نكون فى السجن»؟

إنه فقه عظيم غفل عنه أكثر المسلمين فى كل الأوقات.. حيث يريد بعض من لا فقه له أن يحصل على كل شىء ويترك الآخرين دون شىء.. وشعاره فى الحياة «كل شىء أو لا شىء».. والمحصلة النهائية هى «لا شىء».

لقد خلصت من حياتى كلها أن «من أراد كل شىء فقد كل شىء».. وأن «المزايدة على المستحيل تضيّع الممكن، ولا تأتى بالمستحيل وتذهب بالممكن إلى غير رجعة».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف