الجمهورية
د. محمد مختار جمعة
العواصم والحدود وبناء الدول
العلاقة بين عواصم الدول وحدودها هي علاقة تكامل لا علاقة صراع ولا ينبغي أن تكون. إذ لا غني لأي دولة من أن يكون لها عاصمة هي القلب والمركز. وأطراف وحدود بمثابة الأجنحة التي لا تعلو الدول ولا ترتفع بدونها. لكن المركز يستحوذ في كثير من دول العالم علي بؤرة الاهتمام. فالشواهد والواقع المعاش يؤكدان استحواذ المركز عبر التاريخ علي أعلي درجات الاهتمام. غير أن مستوي هذا الاهتمام يختلف بين الدول المتحضرة والدول المتخلفة. فالدول المتحضرة لا يمكن أن تهمل جزءا من أطرافها أرضا أو سكانا فتتركه هملا أو فرصة للضياع أو الاهمال أو الاعتداء. أو حتي مجرد التفكير في الانفلات أو الانفصال. وقد دخل أحد الشعراء علي سيدنا عمر بن عبدالعزيز "رضي الله عنه" فأنشده قوله:
إن كنت تحفظ ما يليك فإنما
عمال أرضك بالبلاد ذئاب
لن يستجيبوا للذي تدعو له
حتي تجلّد بالسيوف رقاب
علي أن تنمية الأطراف والمناطق الحدودية لا تقع علي عاتق الحكومات وحدها أو القيادة السياسية وحدها. إذ ان العناية والاهتمام بهذه الأطراف والعمل علي تنميتها مسئولية تضامنية بين جميع مؤسسات الدولة. سواء المؤسسات الرسمية. أم منظمات المجتمع المدني. أم رجال الأعمال. فالاستثمار والتعليم والصحة والإسكان والثقافة والأوقاف والآثار وسائر الوزارات والهيئات والجمعيات العاملة في مجال الخدمات الاجتماعية ورجال الأعمال الوطنيون. كل هؤلاء يجب أن يولوا اهتماما خاصا بجميع أطراف الدولة وبخاصة الحدودية منها. وجعل ذلك أولوية واعتباره قضية أمن قومي من جهة. وقضية تنموية من جهة أخري. إذ ينبغي أن نعمل علي تحويل كل أطراف الدولة ومناطقها الحدودية إلي مناطق جاذبة لا طاردة. ففي حالة عدم اهتمام دولة ما بأطرافها يضطر أبناء هذه الأطراف إلي التوجه نحو المركز والتمركز به. مما يشكل ضغطا غير عادي علي المركز وضواحيه. ويخلق كثيرا من الأحياء العشوائية حوله. ويسهم في صنع نظام طبقي تنتج عنه مع مرور الزمن أمراض ومشكلات اجتماعية تحتاج إلي حلول غير تقليدية لعلاجها.
أما في ظل اهتمام الدول بالاستثمار في أطرافها ومناطقها الحدودية. وتوفير الخدمات اللازمة لأبنائها من: الإسكان والصحة والتعليم والثقافة وسائر الخدمات التي تطلبها مقومات الحياة المستقرة بأرضهم وموطن نشأتهم. مع توفر فرص العمل والإنتاج فإن ذلك كله يؤدي إلي ارتباط أبناء هذه المناطق بأرضهم. وحفاظهم علي كل ذرة رمل أو تراب من ثراها الندي. مع ولاء وانتماء وطني خالص.
وفي حالة توفر عوامل جذب وحوافز للعمل بهذه المناطق والاستثمار الجاد فيها كما يحدث الآن من اهتمام الدولة بمناطق سيناء ومطروح والإسماعيلية الجديدة وحلايب وشلاتين والوادي الجديد. ومناطق الظهير الصحراوي بصفة عامة. فإن هذه المناطق ستتحول إلي مناطق جاذبة. مما يحدث توازنا كبيرا في التوزيع الجغرافي. والسكاني ويوفر حياة كريمة لأبناء هذه المناطق. ويخفف الضغط علي المركز وعلي ما يقدم به من خدمات لا غني عنها للمقيمين به. أو ما تتطلبه طبيعة العواصم ومركز الثقل السياسي والاقتصادي بالعالم كله. من الرقي بها إلي درجة تجعل منها عامل جذب سياحي وإبهار حضاري ودلالة علي عظمة الشعوب ورقيها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف