المساء
نبيل فكرى
آخر ما تبقي من "النهضة"
نحن أيضا بات بيننا وبين سد النهضة "سد". وبيننا وبين أثيوبيا ومعها كينيا "سد". ومع كل من يحاول تعطيشنا "سد". وأخشي أن أقول إن السد بيننا وبين الحكومة التي لا تأتي بجديد يرتفع يوماً بعد يوم. فلا خبر يروي الظمأ. وكل ما يأتينا عن السد "يسد النفس".
أنا لست مسئولاً ولا مخولاً باتخاذ القرار. لكني مواطن من هذا الشعب الذي يعيش تحت خط الفقر المائي رغم النيل والـ 55 مليار متر مكعب من المياه.. أسمع ما يقوله الناس. ونفسر مع البعض أحلامنا. وأخشي أن "الحرب" باتت حلماً. وأن تدمير سد النهضة يراود كل المصريين. وربما لن يلتفوا حول قرار. مثلما سيجمعهم هذا القرار. فلم يعد في قوس الصبر منزع كما يقولون.
كثيرون من الناس يتمنون نقل الملف برمته إلي القوات المسلحة. فقد خضنا كل درجات وآليات التفاوض. والعالم كله يعلم طبيعة القضية ومفردات المعادلة ويعلم أن حقنا في المياه تاريخي. وأن ست اتفاقيات حول مياه النيل بدءاً من 1891. ومروراً بـ 1902. 1925. 1929. 1959. ..1999 كلها كان العامل المشترك فيها عدم إقامة أي مشروعات علي مجري النهر أو فروعه تنال من نسبة تدفق المياه إلي مصر.
كما يعلم العالم أن مياه النيل برمتها والبالغة حوالي 84 مليار متر مكعب لم تكن يوماً مصدراً للحياة في دول المنبع التي تكفيها الأمطار الموسمية وتمنحها نسبة تقدر بـ 20 مرة حجم مياه النيل.. لكن النيل اليوم أصبح المعضلة بعد أن عبثت الأيادي هناك. تنشد أن تلتف حول عنق مصر من بعيد.
الناس ضجرت مما يقال وما يتداول. لكنها أجمعت علي أن الأمر بات يحتاج تدخلا حاسما وحادا يعكس قدر مصر. لاسيما في ظل ما يردده خبراء المياه والسدود. ومنهم من كان في موقع المسئولية الدولية من أن السد مشيد علي فالق جيولوجي خطير وأنه سينهار حتما فور ملء الخزان وما يقال عن تدخل إسرائيل وأنه بعد اكتمال السد قد تفعل معنا ما لم تستطع أن تفعله طوال العقود والحروب الماضية. وهو كلام نأخذه علي محمل الجد. لاسيما في ظل التقارب اللافت والمترجم اقتصادياً بين إسرائيل وإثيوبيا وكينيا علي وجه الخصوص. وأشار تقرير إلي ارتفاع نسبة الواردات الإسرائيلية من إثيوبيا إلي 30 ضعفاً خلال التسعينيات. والتقارب في ازدياد.
الحل الحازم أو العسكري كما يتمناه جميع المصريين. ليس جديداً ولا مبتكراً.. ربما العالم هو الذي أصبح جديداً. ففي الثمانينيات وتحديداً في العالم 1979. وعندما أعلنت إثيوبيا نيتها لإقامة سد لري 90 ألف هيكتار في حوض النيل الأزرق. كانت انتفاضة الرئيس الراحل محمد أنور السادات والذي دعا خبراءه العسكريين لوضع خطة طوارئ مهدداً بتدمير السد.
الناس الآن في لهفة إلي نقل الملف إلي القوات المسلحة. وأعتقد أن الأمور عندها قد تتغير. وربما لن نحتاج ضربة عسكرية للسد. فقرار كهذا ستكون له تداعياته وأصداؤه في العالم كله. ومع إعلان القرار علي كل دولة تشارك في السد أن تعي أن كل الخيارات باتت مطروحة أمام المصريين الذين يرفضون الموت كمداً أو عطشاً.
السد الإثيوبي هو آخر شاهد علي ما خلفته "النهضة السوداء". والتي ثار عليها الشعب المصري الأبيّ في 30 يونيو الماضي. وهذا الشاهد الأخير يستحق منا وقفة مختلفة.. وقفة لا تستجدي المؤتمرات ومكاتب الاستشارات. وإنما وقفة تليق بمصر الجديدة التي وإن أثقلتها الهموم والتحديات إلا أنها قادرة علي الدفاع عن مقدراتها وعن حياتها. ولن يلتف المصريون حول قرار مثل التفافهم حول هذا القرار.
** ما قبل الصباح :
* ما أُخذ بالقوة.. لا يُسترد إلا بالقوة
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف