عبد العظيم درويش
سيادة المستشار: «إن قلت ما تخافش»..!
العنوان الذى يعلو السطور التالية يمثل الشطر الثانى من موروثنا الثقافى الشهير «إن خفت ما تقلش».. وهو فى مجمله يعنى حتمية التحلى بـ«الشجاعة الأدبية» وتحمُّل كامل المسئولية لكل ما ينطق به الشخص، خاصة إن كان من بين من يتولون مواقع أدبية رفيعة ولا تُرد لهم كلمة أو «حكم» باعتباره عنوان الحقيقة.!!
إذا كنت تمتلك منطقاً يتيح لك عرض رأيك والدفاع عن وجهة نظرك فهو أمر تستحق معه كل التقدير والاحترام حتى من جانب من يخالفونك الرأى أو ممن يعترضون على وجهة نظرك هذه.. أما أن تلجأ إلى ما يمكن تسميته «الهروب» من مسئولية ما نطقت به وأنت فى كامل وعيك وإدراكك دون أن يجبرك أحد على ما تقوله -خاصة وإن كان لم يشربك «حاجة أصفرة»- وتبدأ فى رشق الآخرين باتهاماتك وتوجيه تهديداتك -حتى وإن كانت غير مباشرة- دون مبرر أو تفسير فإنك تكون قد امتلكت ذهناً مغيباً أو على أقل تقدير «بلاستيكياً» لا يقدر حتى على التفكير وانتقاء ما تقوله، خاصة إذا كنت من بين الأشخاص الذين يتوسم فيهم البعض أنهم يدركون تماماً «معنى الاتهام» ويجيدون بالتأكيد عرض وجهة نظرهم والدفاع عنها..! قبل سنوات ليست بالقليلة اعتاد رؤساء تحرير الصحف أو قياديوها تلقى ردود من المسئولين على ورق مصقول أخضر أو أزرق مذيّلة بتوقيع هذا المسئول وتتضمن عبارة «عار من الصحة»، وفى أحيان غير قليلة تضاف كلمة «تماماً» بين الكلمتين، وكأنها «بادج» مطبوع لينفى بها هذا المسئول أى أخبار أو مقالات نُشرت بالجريدة تتناول بشىء من النقد أى إجراء أو قرار يتخذه المسئول أو ما ورد فى حواره المسجل! ليختتم التعقيب بعبارة أخرى «برجاء التكرم بالتنبيه نحو اتخاذ اللازم بشأن تصحيح ما نُشر»!
الغريب أن تعقيب الوزير أو المسئول يخلو تماماً من أى إشارة إلى ما جاء فى الخبر من وقائع يعلم هو نفسه قبل غيره أنها صحيحة تماماً، غير أن نشرها ربما أثار انتقادات دوائر أخرى اعتاد المسئول رفع تقاريره إليها بأن «كل شىء على ما يرام.. وأن كله تمام».. «فنشر هذا الخبر أو الانتقاد فى هذا التوقيت ربما ينعكس سلباً يافندم على مكانة سيادتك ومن الضرورى نفيه والرد عليه».. والجملة الأخيرة هى مضمون ما يهمس به سكرتير المسئول أو المشرف على مكتبه!! هذا منذ سنوات وقبل أن تنتشر «الفضائيات وبرامج التوك شو الليلية».. أما الآن فيكفى أن يتفق «المسئول» مع مُعد البرنامج على إدخاله فى مكالمة تليفونية لينفى خلالها ما سبق أن قاله «بعضمة لسانه» ويُسقط من حسابه أن الحوار «كان مسجلاً»..!
ما سبق ينطبق على ما نفاه أخيراً مسئول بارز من أنه لم يقل «مثل هذا الكلام» الذى جاء ضمن تسجيل كامل مدته 107 دقائق لحوار أجرته معه الزميلة هدى سعد بجريدة «الوطن» والذى وجّه فيه انتقادات حادة لثورة يناير ولبعض الإعلاميين.. حتى إن محكمة النقض وزملاء له من القضاة الأفاضل لم يسلموا منها، وهو ما رفضت «الوطن» نشره حفاظاً على هيبة القضاء والقضاة..!! ورغم أن ثقافة المصداقية منهجها، وأن الحقيقة هدفها، وأن الدقة أهم أدواتها، وأن احترام الآخر وسيلتها، وتقديراً من جانبها لسدنة العدالة، فإن «الوطن» تعترف بأن «يوم السبت» الذى نشرت فيه أحد «الحوارات» لم يكن من بين أيام الأسبوع الماضى..!!! بقى شىء واحد وهو أن أى تشابه فيما حملته السطور السابقة مع ما ادعاه أخيراً المستشار ناجى شحاتة، رئيس محكمة جنايات جنوب الجيزة هو «صدفة»، حتى وإن كانت مقصودة!