معارك متنوعة تشهدها الساحتان الإعلامية والسياسية هذه الأيام بين شخصيات، أغلبها «يونيجية»، ظن الكثيرون لفترة طويلة أنهم على قلب رجل واحدة، أو أن ثمة أفكاراً مشتركة تجمع بينهم، وهو ظن لم يكن فى محله منذ البداية. المهم أن البعض شرع فى البحث عن تفسير لما يحدث، وطرح إجابات عديدة على الأسئلة التى تحاول فض غموض الاشتباك المشتعل حالياً بين هذه الأطراف.
ذهب البعض إلى أن أجهزة بعينها هى التى تتولى إشعال هذه المعارك عبر وكلاء لها داخل الساحتين الإعلامية والسياسية. ولو صح هذا التفسير فمعنى ذلك أن مصر أصبحت محكومة بعدة رؤوس، وليس برأس واحد، كما تعودنا عبر العقود الماضية، وأن كل رأس داخل جهاز أو مؤسسة أصبح له أذرع إعلامية وأخرى سياسية يوظفها لخدمة أغراضه وتحقيق أهدافه، التى قد تتمثل فى النيل من أو تقزيم أجهزة أخرى، أو التغلغل فى مساحات جديدة، بما يمكن أن يترتب على ذلك من منافع ومكاسب. آخرون قالوا إن الموضوع يتعلق بالأخلاق، وأننا نعيش خلال الفترة الأخيرة أزمة أخلاق، فالخطابات الإعلامية لدينا أصبحت أقرب إلى مواويل الردح وفرش «الملايات»، عملاً بمقولة «اللى ما يشترى يتفرج»، والخطابات السياسية لدينا أصبحت تجنح فى أحيان إلى السب العلنى. وفى ظل واقع أصبح التنافس فيه يستند إلى «طول اللسان» -يقاس بالمتر- يصبح الأطول لساناً هو الفائز فى الكثير من الأحوال. ومشكلة هذا التفسير أنه يجعلنا نشعر أن أزمة التعارك الحالية تستعصى على الحل، لأنك لن تستطيع أن تربى بشراً قليلى الأدب من جديد، اللهم إلا إذا فرض السياق عقوبات تأديبية على طويلى اللسان، وواقع الحال أن ذلك لا يحدث، والواقع يؤشر إلى أن ثمة حالة «سكوت» على الحالة التى استشرت فى الإعلام والسياسة خلال الفترة الأخيرة. والسكوت -كما تعلم- علامة الرضا!.
أياً ما كان التفسير، فإن الحالة التى نعيشها تمنحنا مؤشراً على أن نهاية «تحالف 30 يونيو» باتت وشيكة، هذا التحالف الذى تعرّض لضربة مبكرة، كما ذكرت لك غير مرة، عقب موجة الثورة الثانية، عندما تم إخراج «الينايرجية» منه، جرّاء وصف ثورتهم بالمؤامرة. وظل التحالف بعد ذلك متماسكاً بمسمار «الإخوان». فخلال الفترة المبكرة التى أعقبت 30 يونيو كان ثمة شعور بالخوف من الإخوان أدى إلى توحيد فرقاء التحالف ضد العدو المشترك، لكن الأشهر الأخيرة شهدت نوعاً من التراجع الملحوظ لمظاهرات الجماعة فى الشارع، كانت نتيجته أن بدأ كل فريق داخل التحالف فى التفرغ لغيره، وأدى بنفس الطريقة التى كان يؤدى بها الإخوان والمتمثلة فى محاولة الاستحواذ، ليثبت أن مبدأ العمل السياسى فى مصر واحد.
الرئاسة من ناحيتها لا تبدى موقفاً واضحاً مما يحدث، لكن بإمكاننا القول إنها كانت تستهدف تفريغ الشارع من الإخوان، وقد نجحت فى ذلك إلى حد بعيد، مدعومة بقطاعات شعبية كبيرة أصبحت رافضة للجماعة، لكن يبقى أننى لا أعلم وجهة نظر الرئاسة فيما يتعلق بتفريغ الشارع من «اليونيجية» والذى يمكن أن يترتب على الصراع المشتعل بينهم الآن. فى كل الأحوال.. إذا حضرت المصالح غاب العقل وغلب الهوى!