الصباح
خالد عكاشة
١٠٠ ألف مقاتل يشكلون التحالف الإسلامى العسكرى
>>الإعلان السعودى المفاجئ أربك الكثيرين وتم تنفيذه فى 72 ساعة فقط
>>الطابع السُنى للتحالف متوافق مع طرح أمريكى لتنفيذ القاهرة والرياض لعمل برى داخل سوريا
>>مصر تريثت فى الحكم على التحالف واكتفت بإعلان دعم أى جهد يتشكل لمحاربة الإرهاب
>>لقاء السيسى ومحمد بن سلمان لم يجب عن طبيعة التحالف ومهامه
فى ساعة متأخرة من ليل الإثنين الماضى بتوقيت القاهرة نشرت وكالة الأنباء السعودية بيانا مفاجئًا، حول تشكيل تحالف إسلامى عسكرى مؤلف من 34 دولة لمحاربة الإرهاب ومقره الرياض، وجاء فى البيان «تأكيدًا على مبادئ وأهداف ميثاق منظمة التعاون الإسلامى التى تدعو الدول الأعضاء إلى التعاون لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، وترفض كل مبرر أو عذر للإرهاب، فقد تقرر تشكيل تحالف عسكرى لمحاربة الإرهاب بقيادة المملكة العربية السعودية، وأن يتم فى مدينة الرياض تأسيس مركز عمليات مشتركة لتنسيق ودعم العمليات العسكرية لمحاربة الإرهاب، ولتطوير البرامج والآليات اللازمة لدعم تلك الجهود، وسيتم وضع الترتيبات المناسبة للتنسيق مع الدول الصديقة والمحبة للسلام والجهات الدولية، فى سبيل خدمة المجهود الدولى لمكافحة الإرهاب وحفظ السلم والأمن الدوليين».
وذكر البيان أن الدول المشاركة فى التحالف إلى جانب السعودية هى: مصر، الأردن، الإمارات، باكستان، البحرين، بنجلاديش، بنين، تركيا، تشاد، توجو، تونس، جيبوتى، السنغال، السودان، سيراليون، الصومال، الجابون، غينيا، فلسطين، جزر القُمر، قطر، ساحل العاج، الكويت، لبنان، ليبيا، المالديف، مالى، ماليزيا، المغرب، موريتانيا، النيجر، نيجيريا، اليمن، وأضاف البيان «أن هناك أكثر من عشر دول إسلامية أخرى أبدت تأييدها لهذا التحالف، وستتخذ الإجراءات اللازمة فى هذا الشأن ومنها جمهورية أندونيسيا».
الإعلان السعودى المفاجئ بالطبع أربك الكثيرين خاصة أن تشكيل التحالف تم فى نحو 72 ساعة فقط، ومن دون مباحثات مكثفة أو اجتماعات تنسيقية مشتركة لقادة أركان تلك الدول، كما ضم دولًا رئيسية فى معادلات المنطقة بينها خلافات قوية كمصر وتركيا وقطر، فى الوقت الذى استثنى فيه دولًا عربية بها أزمات إرهابية عميقة بينها سوريا والعراق كان من الممكن أن يسبق الإعلان تواصل ما معها، وهو الأمر الذى جعل العديد من الدول يتريثون فى الحكم على التحالف الوليد وبخاصة فى مصر، لأن التحالف لا يزال غير واضح المعالم والقاهرة ربما اكتفت بالتعليق حول أنها تدعم أى جهد يتشكل لمحاربة الإرهاب، وانتظرت حتى تستطلع الأمر بشكل أكبر فى اجتماع الرئيس عبد الفتاح السيسى بولى ولى العهد ووزير الدفاع السعودى الذى كان على مشارف الوصول للقاهرة حين تم الإعلان عن الحلف الجديد.
لم يخرج من لقاء الرئيس المصرى والأمير محمد بن سلمان ما يشفى غليل المتساءلين عن طبيعة التحالف ومهامه المتوقعة، وكان اللافت فقط أن الصور الرسمية التى نقلت عن هذا اللقاء كان حاضرًا فيها الفريق صدقى صبحى وزير الدفاع المصرى، مما دفع التكهنات ناحية الطابع العسكرى للقاء واستحضر فى الوقت ذاته التسمية التى أطلقت على التحالف الجديد (إسلامى عسكرى)، قد تكون القاهرة استمعت بإنصات وتركيز للطرح السعودى لأن مما لم يمكن اخفاؤه أن الأمر لم تسبقه مشاورات، لذلك حرصت القاهرة خلال تعقيبها حول تشكيل التحالف الإسلامى العسكرى على التأكيد بعدم وجود تعارض بين تشكيل التحالف العسكرى الإسلامى، والمقترح الذى طرحته مصر خلال القمة العربية فى مارس الماضى وتبنته جامعة الدول العربية بإنشاء قوة عربية مشتركة، وهو مقترح لا تزال دراسته جارية داخل البيت العربى، إلا أن هناك اختلافًا بين الطرحين فالتحالف الإسلامى يستهدف مكافحة الإرهاب فقط، أما القوة العربية المشتركة فهى تتعامل مع التحديات التى تواجه الأمن القومى العربى بمختلف أشكالها وفى النطاق العربى فقط، وفيما بعد هذا اللقاء خرجت من المملكة السعودية مجموعة قرارات ملكية تصب فى اتجاه حزمة من الدعم والتنشيط الاقتصادى، ليست الأولى فهى تعتبر استكمالًا لدعم سعودى مقدر للبرنامج الاقتصادى المصرى خاصة فى مجال توفير الاحتياجات النفطية وأخرى فى مجال الاستثمار بشكل عام، من جانب آخر كان ما يمكن استخلاصه من إجابات دبلوماسية أنه من المبكر تحديد دور مصر وحجم مساهماتها فى التحالف العسكرى الإسلامى الجديد، خاصة أن مصر سبق واشتركت فى التحالف الدولى الذى تقوده الولايات المتحدة واقتصرت مساهماتها فيه على الجانب المعلوماتى، كما شاركت لوجستيًا فى التحالف العربى بقيادة السعودية أيضًا فى اليمن لحماية باب المندب، لذلك يمكن حتى اللحظة الوقوف عند محطة أن مشاركة مصر ستتم وفقًا لتقديراتها الوطنية الخاصة بقراءتها للمشهد الإقليمى.
قبل مرور أيام معدودة جاءت مجموعة تعليقات من دول أعلن عن مشاركتها بالتحالف تعبر عن دهشة وجودها بداخل تحالف لم تستشار بشأنه، والعديد منهم أعلن رسميًا عدم رغبته فى التواجد مثل باكستان وأندونسيا والآخرين تركوا التساؤل مفتوحًا، وهذا الأمر ألقى بظلال سلبية لم يكن للسعودية أن تقع فيه تحت مبرر التعجل الذى بدا واضحًا منذ اللحظة الأولى خاصة أن عنوان مكافحة الإرهاب مهم جدًا إقليميًا ودوليًا، ويمكن بالفعل توحيد الجهود بشأنه لكن من خلال خطط موضوعة يتم العمل عليها من قبل أطراف عديدة، وهذا التعجل أيضا فتح أبوابًا من الأسئلة حول هذا الطابع السُنى للتحالف، وما إذا كان يتوافق ويتناغم مع الطرح الأمريكى الذى سبقه بأسابيع، متحدثًا حول مقترح وتصور أمريكى بأن تتقدم الدول السُنية الرئيسية بجهد عسكرى على الأرض من أجل حل الأزمة السورية والقضاء على داعش، وتطور المقترح الأمريكى بأن ذكر السعودية ومصر بالأسماء وتحدث عن عدد الجنود الذى يقارب الـ 100 ألف عسكرى كقوة برية تدخل للأراضى السورية، وهو مقترح أمريكى لم يتشجع أحد لمجرد مناقشته فهو قفز فى مجهول يضرب المنطقة فى معادلات غير مقبولة، ويدخل أطرافها الرئيسية فى مستنقع هائل يصل بها إلى مستوى أخطار الحروب المذهبية المباشرة والاقتتال العربى/ العربى.
اللافت أيضا فى البيان السعودى أنه استدعى «منظمة التعاون الإسلامى» وميثاقها كمرجعية لقيام هذا التحالف «الإسلامى»، وفى تلك النقطة تحديدًا تبرز ظلال تركية حول هذا التشكيل خاصة وتركيا عبر السيد «أكمل الدين إحسان أوغلو» رئيس تلك المنظمة من العام 2005 إلى 2013م، يكاد يكون قد أمم تلك المنظمة المهمة لصالح أنقرة فى تلك الفترة الزمنية الدقيقة من عمر الدول العربية وثوراتها وتحولاتها، وكانت تلك المنظمة عرابًا لتنظيم الإخوان المسلمين فى القفز على السلطة فى كل البلاد العربية التى شهدت تحولات سياسية، وإذا لم يكن الطموح التركى فى قيادة المنطقة لم يخفت بعد، ولم يعلن استسلامه لهزائمه المتوالية، فهواجس إعادة الالتفاف قد تكون حاضرة بقوة خاصة والاتهامات تطال تركيا وأردوغان بقوة فى دعمهم الصارخ للنشاط الإرهابى، وهذه الاتهامات الآن تخرج من الدول الأوروبية والمجتمع الدولى الذى بدأ يواجه تركيا بسقطاتها وبتورطها الذى كان مسكوتًا عنه، لذلك بدا تواجد تركيا داخل هذا التحالف نوعًا من أنواع غسل السمعة وتبرئة ذمة لن يقابلها عمل حقيقى على الأرض، فالجيش التركى على الأراضى العراقية فى انتهاك لسيادتها لم تحسم أوضاعه بعد وتواصله مع المجموعات المسلحة بالداخل السورى مازال على قدم وساق، لذلك كان من الأوفق على الجانب السعودى أن يتصدى بداية لحل مثل تلك الإشكاليات والدبلوماسية السعودية قادرة على ذلك، حتى لا يصبح الإعلان عن تحالف بهذا الحجم، وهذا العدد من الدول، قفزًا للمجهول واستثمارًا من أطراف أخرى له فيما لم ينشأ من أجله.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف