الكورة والملاعب
عبد الرحمن فهمى
غزو.. أرجنتيني!
وارتفعت الهتافات.. "أرجنتين سي.. أوروجواي نو" وترجمتها الحرفية "الأرجنتين نعم.. أوروجواي لا".. أي النصر للأرجنتين والهزيمة لأوروجواي.. وفي محاولة لتخفيف التوتر وافقت اللجنة المنظمة علي استخدام كرة مصنوعة في الأرجنتين في الشوط الأول وأخري من أوروجواي في الشوط الثاني وكانت الهتافات المجنونة المسعورة تخرج من حنجرة آلاف.. الغزاة! فقد غزا أورجواي في تلك الأيام التاريخية عشرات الآلاف من أهالي جارتها ومنافستها التقليدية الأرجنتين.. الذين عبروا نهر "ريو" الفاصل بين حدود البلدين في قوارب خاصة.. واحتلوا معظم مقاعد ستاد "سينتيناريو" ليهزوا جوانبه بصياحاتهم التي تحطم أعصاب.. أهدأ المنافسين وأبردهم وتهدم معنوياتهم.
وتحملت أعصاب كاسترو هتافات "اللاعب الثاني عشر" في فريق خصومه ومنافسيه في شجاعة وبطولة يحسد عليهما.. وهدوء وبرود غير معروفين عن.. اللاتين!
واللاعب الثاني عشر في أي فريق كرة قدم.. هو جمهور المشجعين!
ولكن جماهير الكرة في أمريكا اللاتينية -عفوا.. فالمقصود مجانين ومهاويس ومخابيل الكرة.. إذ لا توجد في أمريكا اللاتينية "جماهير كرة فقط"- لا يمكن اعتبارها مجرد اللاعب الثاني عشر "فقط".. بل الثاني عشر بعد المائة ولكن لاعب الأرجنتين الثاني عشر في ذلك اليوم المشهود كان اللاعب الثاني عشر بعد.. الألف "فالتار بايت" والنية معقودة.. والأمر مدبر بليل.. والأمنية العزيزة الغالية تكاد تحرق الصدور.. فالتصميم قاطع جامع مانع علي هزيمة أوروجواي التي كانت تقدم وقتها أغلي هدية لعشاق كرة القدم.. تنظيم أولي بطولات كأس العالم لكرة القدم والتهديد في أرض "جنون الكرة" ليس.. لعب عيال! والتهديد في عهد الاعتماد علي حارس المرمي ومتوسط الهجوم لم يكن مزاحا.. وكان كاسترو هو متوسط الهجوم الذي تعلق عليه أوروجواي.. آمالها!!
وفتش البوليس جميع المتفرجين.. بل ركز علي الأرجنتينيين الذين يرتكبون أي شيء من أجل.. الفوز والكرة.
وبدأت المعركة.. وفي الدقيقة 12 سجل بابلو دورادو أول أهداف أوروجواي.. ورغم كل محاولات كاسترو لتعزيز الفوز وتغطية الهدف اليتيم.. بدا كأنه يلعب في.. حلم أو في كابوس كان الجميع يفتقدون البطل الأصلي.. آنسيلمو!
وقبل نهاية الشوط الأول بعشر دقائق سجل بيوسيللي وستابيل هدفين سريعين.. للأرجنتين! فكأنما لم يخطفا الفوز لبلدهم فحسب.. بل روح كاسترو ورفاقه!!
وفي الشوط الثاني وضع ستابيل فريق أورجواي في جيبه وتضاءل العمالقة ليتحولوا إلي مدافعين مغلوبين علي أمرهم ومصادفة اصطدمت إحدي قذائف ستابيل بصدر كاسترو ليتحكم في الكرة ويجري بها في منطقة مرماه حتي مرمي الخصوم وليمررها لزميله بيدورو الذي سجل هدفا.. وبدا التعادل أبعد منالا من النصر!.. ولكن لا شيء بعيد عن كاسترو الذي سجل هدف التعادل!!
وهنا حدث أمر غريب.. نسي كاسترو كل مخاوفه.. وكل هموم الغروب الذي لن يري غروبا بعده.. واستعاد ثقة مضاعفة جبارة.. وبدا كأنه "آنسيلمو بدون يد" نفس الأسلوب.. والتحكم والمهارة.. والقيادة الواعية.. ورسم وصنع اللعب.. وتدويخ المنافسين بلا خوف من الغروب الأخير وبدا مونتي الخطير القوي الضخم كأنه أكذوبة إلي جانب.. حقيقة!
وفي هجمة موفقة اخترق "كاسترو" هجوم ودفاع المنافسين ليمرر الكرة بكعبه في الدقيقة الخامسة والستين لجناحه الأيسر سانتوس ابريارتي.. ليسجل هدف الفوز ودوت طلقات النار من بعض جوانب مدرجات استاد "سينتيانريو" الكبير ولكن "كاسترو" واصل هجومه بنفس الروح الوثابة.. التي قد تنتزعها رصاصة حقود.. في "ميدان المعركة!
وفي الدقائق الأخيرة خدع كاسترو خط الدفاع والظهر وانفرد بمرمي الخصوم ليسجل "الهدف الرابع" مؤكدا فوز أوروجواي الصغيرة.. الكبيرة!
وأصبح "كاسترو".. البطل ذو اليد الواحد "معبود أوروجواي" منذ ذلك اليوم.. البعيد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف