المساء
محمد جبريل
سرابيوم
الملاحظة التي لا نمل تكرارها. أن الإبداعات الروائية عن حرب أكتوبر لا ترقي إلي مستوي الحدث.. في وجداننا ما يشبه اليقين أن عظمة انتصار العبور أكبر من أي محاولة للتعبير في إبداع سردي. ربما تعبر عن اللحظات الإنسانية والبطولية. ومضة في قصة قصيرة. أو قصيدة. لكن تشابك أحداث الرواية. وتعدد شخصياتها. واختلاط أزمنتها يحتاج إلي قدرات فنية لا يمتلكها الكثيرون.
نحن نريح أنفسنا. فنصدر الأحكام ببساطة دون أن نتدبر الكلمات. ودون قراءة أحياناً. يقيننا "كما قلت" أن انتصار أكتوبر أكبر من محاولات التعبير عنه.
محمود عرفات في روايته "سرابيوم" يحضنا علي الاعتذار للرواية المصرية في تناولها التاريخي والإنساني والفني للحدث الذي عاشته مصر في تلك الأيام من أكتوبر .1973
سرابيوم.. هذه المنطقة الصغيرة علي ضفة القناة. عكست الحياة المصرية في فترة مهمة من تاريخها. ما بين مرارة الهزيمة وحلاوة العبور. ومحاولات العدو إجهاض النصر المصري بثغرة الدفرسوار. غطرسة الجندي الإسرائيلي. وميوله العدوانية. وحرصه علي تلبية أوامر حاخاماته بالقتل والتدمير. واعتبار اليهود ــ دوناً عن بقية البشرــ شعب الله المختار. الحياة حق لبني إسرائيل. وانتفاء هذا الحق بالنسبة للآخرين.. لا يشكل ذنباً إن اقترفه الإسرائيلي!!
لعل هذا ــ في تصوري ــ سر العمليات الإجرامية التي يتعرض لها المواطنون الفلسطينيون علي أيدي عصابات صهيونية. يدخل مرتكبوها من باب المحكمة الرئيسي. لينصرفوا ــ عقب انتهاء المحاكمة ــ من الباب الخلفي.
أعود إلي "سرابيوم" أجد صعوبة في تلخيص هذا العمل الملحمي الجميل. العفوية في رواية الأحداث لا تلغي الحبكة التي يرفضها البعض في الإبداعات السردية.. إنها عمل سردي لافت أمتعتنا قراءته.
نبع الرواية موروث من المعتقدات والعادات والتقاليد. أجاد الفنان التقاطه. وتضفيره في نسيج الأحداث. الأولياء والموالد والأذكار وطالبي المدد والمصلي والأسواق والتوتة والترعة والطلمبة والفرن الفلاحي. الذين أخلصوا للأرض وأبناء المدينة في حرصهم علي أصولهم الريفية. ذكرني محمود عرفات بما توهمت أني نسيته من أيام الطفولة. وأكد ثقتي في النفس المصرية التي تنكرها نوازل طارئة. لكنها لا تلبث أن تبين عن طيبتها وسماحتها.
حجم الصفحات خادع. اتصلت الأسطر بالسرد والحوار. ما كان ينبغي أن تفرد له المساحة. ضاقت الصفحات عن استيعابه. حتي لا تبلغ الرواية ــ في الأقل ــ ضعف عدد صفحاتها.
أنت تغادر الرواية ولا يغادرك دسوقي ومتولي وجابر ومحروس والأبوان وأبلة زاهية.. وشخصيات أخري تستلب وجدانك من خلال تعدد الأصوات. وتداخل الزمان والمكان. وتوالي المواقف الرافضة للجهارة والافتعال.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف