خيرية البشلاوى
رنات متي تكون "الأمور الخاصة" مقدسة؟!
"حالة" تجدها منتشرة منذ فترة بدرجات متنوعة من الحدة وتبدو أعراضها جلية علي كثيرين من العاملين في المهن التي تضع صاحبها تحت الأضواء.
كثيرون ممن يعملون في مجالات الإعلام والصحافة والفنون المرئية وحتي بعض من يعملون بالدعوة وفي أمور الدين مصابون بهذه الحالة التي لا أعرف توصيفا محددا لها. ولكن دعني أحدد بعض أعراضها اللافتة للانتباه وعلي رأسها تضخم الذات والثقة المفرطة فيما يفتون فيه والولع الخبيث بالشهرة والتميز بغض النظر عن جوهر هذا الذي يختلف ويتميز فيه عن الآخرين.
والمزعج أن الشهرة واللمعان الظاهري بالإضافة إلي مهارات استخدام الكلام واللباقة أو اللماضة وحسن المظهر تخفي أشياء رهيبة. ومع تفاقم دور وسلطة وسائل الإعلام تزداد حدة "الحالة" بالنسبة لبعض البارزين في هذه المهن الجاذبة للأضواء. وكذلك يرتفع سعر نجومية بعضهم بسبب الفوضي الكارثية. التي.. أوشكت أن تقضي علي المعايير الأخلاقية والمهنية وصارت تمرر للناس شخصيات فاسدة ومنفلته سلوكيا وأخلاقيا وتساهم بحكم وظيفتها في زيادة مظاهر الانحطاط الثقافي والقيمي فما تنتيجهه من أعمال وتروج له من مظاهر الانحلال والفسوق بزعم الدفاع عن الحرية والإبداع واضح وضوح الشمس.
وهناك جانب معتم آخر ينشأ عبر سيطرة هذه النماذج علي شرائح كثيرة من المجتمع المصري وتأثير حضورها في المشهد العام وتسللها إلي مراكز التأثير داخل مؤسسات الدولة إيمانا من المسئولين داخل هذه المؤسسات بقوة انجذاب عامة الناس لهم.
كثيرون من المصابين بهذه "الحالة" قادرون علي انتاج صورتهم الخاصة وزرعها في أذهان الجمهور. ومع انهيار الحدود بين ما هو جائز وما كان يفترض بأنه لا يجوز لم يعد غياب المعايير المهنية والأخلاقية مؤرقا كما لم يعد هذا الغياب يثير الدهشة واصبح وكأن ما يجري لا يهم احدا. ومن ثم اعتقد الكثير من المصابين بهذه "الحالة" أنهم بمنأي عن "التشهير" وعن محاولات كشف المستور وأنهم أصبحوا بحكم الشهرة والحضور اللحوح في المشهد الإعلامي لديهم حصانة خصوصا مع تضخم الاحساس بالأهمية لدي نفر من الجماعة الإعلامية حتي باتوا مطمئنين وهم يدافعون عن مصالحهم بشراسة لو استشعروا الخطر.
ولهذه "الحالة" أعراض جانبية. فهم بفعل الشهرة والطمأنينة والثقة المفرطة يعانون من الهلاوس والضلالات ويتصورون أن الناس أو نسبة منهم لا تري ما وراء القناع أو ما تحت الباروكة والصبغة ومظاهر الزواق الأخري.
والمهارات لدي هؤلاء تتطور وتزداد قوة كلما لاحت مظاهر التغيير الاجتماعي ووسط هذا الصخب والفوضي وانهيار أمثال من نوع "لا يصح إلا الصحيح" تخرج "التسريبات" وتصبح نتيجة حتمية لكسر أشكال الخداع والإندماج مع الصورة المصنوعة التي حلت محل الأصل بما يعتريه من عوار فتقوم الدنيا ولا تقعد بزعم قداسة الأمور الشخصية والمهنية.
ورأيي المتواضع أن مثل هذه "التسريبات" بتفاصيلها ليست خافية. وأنها كموضوع ينتشر مثل النار في الهشيم وسط تجمعات النميمة وعبر أدوات انتشارها. وربما لا يهم أصحابها مدلولها.. الأخلاقي لأن حرصهم ينصب كله علي منافعهم ومصالحهم وصورتهم وعلاقاتهم مع أصحاب النفوذ الأقوي.
فداحة الأمر أن الأمور حين تتكشف ينتفض البعض للذود عن "الأخلاقيات" وعن "العيب" وعن قيم أضاعوها هم أنفسهم بعد أن تكون الصورة قد تشوهت بالفعل.
والسؤال الذي يحيرني وسط الضجيج الجاري هو: متي يكون للخاص من الأمور حرمتها؟ عندما يتعلق الأمر بالأمن العام.
فلا توجد قداسة ومن حق المواطن أن يعرف ما يدور في الخفاء وما حدث من جرائم كان فاعلها مجهولا وحين يختار "الناشط" في أي من المهن التي أشرت إليها ممارسة نشاطه في مجالات الشأن العام متطلعا إلي دور مهم داخل احدي سلطات الدولة فإنه يصبح كتابا مفتوحا أمام الجماهير التي وثقت فيه وأصبح يمثلهم.
كثيرون سقطت الأقنعة من فوق وجوههم وكانوا وسط الأمواج "الثورية" يمثلون قوي محركة في اتجاه بعيد عن مصالح الوطن. وفي خضم الثورات يطغي الزبد ولا يذهب هباء. وإنما يحسبه الظمآن للسلطة بضاعة للتسويق. وكثيرون من الذين تصدروا الجموع اتضح أنهم مزيفون ومتحولون ومشتاقون لدور قيادي.
وفي خضم هذا الخلط والتوهان وضياع البوصلة اكتسبت الميديا المرئية أهمية قصوي وأصبحت تنتج الأخبار للجماهير التواقة لمعرفة كافة ما يدور. وتقوم بتصنيع نجوم أطفأت الأيام بريقها. واستمر بعضها يلمع ظاهريا فقط.
إن حالة الفرز مازالت قائمة والاحتياج إلي نماذج مخلصة داخل أروقة الدولة أصبح ملحا. والسلطة الرابعة تتزايد سطوتها كفاعل مؤثر جدا في عملية الفرز. وصاحب "الملف" النظيف لا يهمه الأضواء الكاشفة ولا يبتئس إذا حمل "كتابه" وقلب صفحاته وهو مرفوع القامة.. المهم ألا تتحول سطوة اليديا إلي سيف يقطع رؤوس الناس عمال علي بطال. ويغوص في سيرة من تأليف أحدهم بهدف الانتقام والأهم أولا وأخيرا أن تنقشع هذه "الحالة" الظاهرة من الانتفاخ ويتواري المصابون بها أو يعودون إلي توازنهم. وياريت أن يعيدوا النظر في صورهم أثناء أدائهم المهني. لعلهم يكتشفون أعراض هذه "الحالة ويدركون لماذا تراجعت شعبية معظمهم ويشكك الناس في مصداقيتهم.