مؤمن الهباء
شهادة التحالف العسكري.. بين الحلم والحقيقة
لم يشأ عام 2015 أن يرحل قبل أن يهدينا مفاجأة من العيار الثقيل.. هي بالفعل أم المفاجآت.. وذلك من خلال إعلان الشقيقة السعودية مساء الاثنين الماضي عن تشكيل التحالف العسكري الإسلامي.. فلقد ايقظ هذا الإعلان أحلاما جميلة.. وأثار مشاعر متناقضة.. فالوجدان العربي والإسلامي يحلم منذ زمن بعيد بهذا التحالف.. ويتعلق بأي مظهر من مظاهر الوحدة.. وقد ثبت في يقينه أن كيانات الوحدة التي ظهرت واختفت أو استمرت ليست جادة.. وهي مجرد مسميات بلا مضمون ولا فاعلية.. فما بالك إذا جاء الكيان الجديد المفاجئ قافزا فوق كل الحقائق المعروفة.. وكل تحديات الواقع.. حاملا اسم ¢التحالف العسكري الإسلامي¢.. وطارحا لأسئلة لا تجد إجابات شافية.
عند الحد الأدني.. يمثل توقيت الإعلان عن التحالف العسكري ردا عمليا وإعلاميا مباشرا في مواجهة الأصوات المعادية التي تتعمد تشويه الإسلام والمسلمين بتهمة الإرهاب.. هذا التحالف يقول للجميع: نحن المسلمين نقف في الصفوف الأولي في الحرب ضد الإرهاب.. لأننا أول ضحاياه.. وبالتالي لم يعد مقبولا أية مزايدات أو نصائح.. ولا يصح بعد اليوم الربط بين الإسلام والإرهاب.. أو الخلط بين المسلمين والإرهابيين.. بعد اليوم لابد من التمييز جيدا.
هذه افتتاحية مهمة في الموضوع.. لكن ماذا عن المتن والمضمون؟!
إذا تجاوزنا الحلم ونزلنا إلي عالم الحقيقة علي أرض الواقع فسوف نصطدم بأسئلة مهمة تبحث عن إجابات.. متي تشكل هذا التحالف وكيف تشكل؟!
هل سبقته مباحثات ومشاورات أم أنه تم بالتليفون لإرضاء الخواطر؟!
وكيف سيتم تمويله وإدارته وتوجيهه؟!.. من الذي سيحدد أهدافه وكيف تتخذ القرارات بداخله؟!.. وهل يكفي أن يقال إنه سيكون بقيادة السعودية وسيكون تابعا لمنظمة التعاون الإسلامي لكي نعرف طبيعة الدور الذي سيقوم به؟!
إذا كنا أساسا لا نعرف ماذا تفعل منظمة التعاون الإسلامي حاليا وما دورها.. ولم نعد نسمع لها صوتا مؤثرا في الأزمات الكبري التي تعاني منها أمتنا.. فهل يعقل أن ينسب هذا التحالف الخطير الطموح لمنظمة إقليمية خاملة.. أليس هذا حكما بالموت علي التحالف حتي من قبل أن يبدأ؟!
ثم.. هل من المعقول أن يجري تشكيل تحالف عسكري خلال 72 ساعة فقط بين 34 دولة لا يربطها تحالف سياسي.. بل إن التوجهات السياسية لبعض هذه الدول متناقضة ومتضاربة.. فكيف يجمع تحالف عسكري بين مصر وقطر وتركيا والإمارات وبينها ما بينها من تعارض ونفور؟!
ومعروف في كل الدنيا ان التحالف العسكري لابد أن يأتي علي أرضية من التحالف السياسي والاقتصادي متينة.. كما هو الحال في حلف الناتو.. وكما كان الحال في حلف وارسو.. ولعلنا نتذكر أن عدم التوافق السياسي والتكامل الاقتصادي كان السبب الأساسي في تعطيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك.
وهناك تخوف حقيقي من أن يكون هذا التحالف سنيا وليس إسلامياً.. وأن يحمل الطابع الطائفي والمذهبي.. بدليل ان إيران والعراق لم يذكرا في قائمة المؤسسين.. ولم يعرف بالضبط إن كان قد عرض عليهما الاشتراك في التأسيس ورفضا أم لم يبلغا أساسا بالموضوع رغم أنهما عضوان مهمان في منظمة التعاون الإسلامي.
وفي ظل حالة الغموض المحيطة بالتحالف.. وأيضا بسبب الإعلان المفاجئ عنه.. يتساءل البعض - ومعهم كل الحق - هل يمكن التحالف الجديد الخوض في حرب ضد إيران أو القوات الحوثية في اليمن أو قوات بشار الأسد في سوريا.. أم أنه سيظل مرتبطا بهدف واحد هو داعش فقط.. باعتباره التنظيم الإرهابي الوحيد المتفق عليه من الجميع.
يزيد من هذا التخوف المطالبات الأمريكية الرسمية السابقة بضرورة تشكيل تحالف إسلامي سني لمحاربة داعش.. خصوصا من قبل جون كيري وزير الخارجية الأمريكي.. وقبل أيام قليلة دعا النائبان في الكونجرس الأمريكي جون ماكين وليندساي جراهام إلي تشكيل هذا الجيش من مائة ألف مسلم سني لمحاربة داعش.. وهي الفكرة التي هاجمها كثيرون باعتبارها تكرس الانقسام الطائفي.. وتعني أن المناطق التي سيتم تحريرها بواسطة هذا الجيش السني ستصبح بالضرورة تحت سيطرة السنة وهو ما يعزز الانقسام الطائفي في سوريا والعراق.
ويبقي السؤال الأخطر الذي يتحاشاه الجميع.. هل هذا التحالف موجه فقط ضد إرهاب داعش.. وماذا لو فوجئنا بالإرهاب الإسرائيلي يهدم المسجد الأقصي.. هل سيقف التحالف العسكري الإسلامي مكتوف الأيدي؟!