عباس الطرابيلى
هموم مصرية ماتش كورة.. ومعارك العرب
مصر تحيط بها الأخطار من كل جانب.. ورغم ذلك تنشغل بمباراة الأهلي وسموحة.. وكأن مصير البلد كله معلق بين أقدام اللاعبين..
وتلك هي قمة الملهاة.. أقول ذلك رغم أن الأهلي بات هو الآن أكبر حزب في مصر.. تلتف حوله الجماهير وكأنه ليس في مصر إلا هذه الملعونة المستديرة التي تزل الكل: لاعبين.. وملعوبين! ولكن أين ذلك كله من المعارك القومية.. داخلية وخارجية. أين ذلك من ملفات المياه والنيران أقصد النيل والوقود.. وهل الشعب كلَّ هذه المخاطر .. ونام وراءها!!
<< مثلاً الخطر القادم من الشمال.. من سوريا الحبيبة التي يتقطع قلبي وينزف دماً مع كل نقطة دم ينزفها طفل سوري.. وأنا أعشق سوريا منذ شدتني إليها قصائد البحتري وأبوتمام وأعنابها التي تفر من البنان.. وأعشق مشمشها الحموي.. وبلح الشام وحلوياتها الشامية.. وقبل ذلك أعشق شعبها وعشقه لكل ما هو مصري منذ آلاف السنين. وأكاد أعرف كل مدنها من القامشلي والحسكة والبوكمال إلي قرب ماردين داخل تركيا وأحن إلي صباح فخري ابن حلب الشهباء وقلعتها وقدورها الحلبية وقدك المياس يا عمري.. وقل للمليحة في خمارها الأسود. وأتمني أن أعود إلي مسجدها الأموي وسوق الحميدية والباذنجان المكدوس .. وقمر الدين واللوز الأخضر والفستق الحلبي.. وساحات النضال وجبل قسيون ومسليون!!
<< وأعشق في اليمن أعنابه التي اشتهر بها وجذب التجار من قديم الزمان ورحلات الصيف والشتاء بحثا عن عنب اليمن.. وبلح الشام.. بل أعشق ملحها الصخري في سوق الملح داخل أسوار صنعاء القديمة.. والجنابية أي الخنجر اليمني الشهير.. حتي القات هذا النبات السحري الذي لا يعيش اليمني إلا به، وهو الأغني والأغلي حتي من العنب صغير الحجم مركز العصارة وحتي البن اليمني الشهير. وهل ننسي «مشاوي» اليمن وهذا المندي الشهير الذي غزا كل بيت عربي حتي خارج الجزيرة العربية. وأفتقد بيوتها المعلقة بين الأرض والسماء، في أول ناطحات سحاب في العالم.
أين أنت يا يمن يا من كنت سعيداً بينما المخاوف تدمر كل شيء فيه.. وتهدد الأشقاء شمالاً في السعودية. وتهددنا في مدخل باب المندب.. وان كنت أعشق أيضاً تمور البصرة ودبس البلح «دبس التمر» وكذلك فواكه شط العرب.. وهل ننسي المن والسلوي؟!
<< وأنسي - وكيف أنسي - ليبيا الشقيقة التي تجاورنا من الغرب وتمتد حدودنا معها لأكثر من 1000 كيلو متر.. وهي الشقيقة في السراء والضراء.. وكيف انطلقت جماعات الفدائيين المصريين لتحارب مع شعبها ضد الغزو الإيطالي المعروف لنا بالحرب الطرابلسية منذ قرن كامل من الزمان، ومازالت الذاكرة تحوي أسماء مثل عزيز علي المصري ومحمد صالح حرب وغيرهما ثم لن ننسي الدور المصري من أواخر الأربعينيات إلي أن تحقق حلم الوحدة الليبية، بعد أن كان الاستعمار يغذي إنشاء 3 دول هي برقة وعاصمتها - في الشرق - بني غازي.. وطرابلس في الغرب ثم ولاية فزان، وكيف أدت مصر دوراً قومياً من أجل هذه الوحدة.
<< الآن يحاصرنا الخطر من الشمال، من سوريا فنحن نعتبر حدود أمننا القومي تبدأ من هناك من نقطة بداية الكلام بالعربية عند جنوب جبال طوروس. وأي خطر يبدأ من هناك يهددنا نحن هنا - وكل العرب - جنوبها.
والخطر الشيعي القادم من جنوب البحر الأحمر تدعمه وتموله إيران الفارسية التي تحلم بعودة امبراطوريتها الفارسية.. وما أدراكم من الفرس حيث الثأر القديم بين العرب والمسلمين من أيام القادسية.. الأولي.
والخطر الرابض في القرب حيث ليبيا التي يتسرب عبرها ومنها 70٪ من الأسلحة - التي تهدد الأمن المصري.
<< كل هذه المخاطر.. هل نسينا بسبب ما حدث في مباراة كرة قدم حتي ولو كانت بين الأهلي وسموحة.. أم أن الشعب ترك السياسة وطلقها ورماها وراء ظهره.. ما دام معظم الأحزاب وقادتها يختلفون ويتصارعون علي لقمة من هنا.. وقرقوشة من هناك.
ملعون أبو أي نشاط يبعد الشعب عن معاركه الأساسية.. أم يا تري أصبحت معارك الألتراس أكبر وأكثر خطورة عما يجري في سيناء أو علي حدودنا مع ليبيا.. أما سوريا فلها ولشعبها مجرد الدعوات والأماني بالكلمات.. ونسينا كلمات العروبة وأناشيد الكفاح وأهازيج النضال.. أم أن طول فترة الصراع الآن جعل الشعب ينسي المخاطر الأساسية التي تهدده.