المساء
خيرية البشلاوى
رنات منة شلبي
الممثلة المصرية منة شلبي "24 يولية 1982" تستحق عن جدارة جائزة أفضل ممثلة التي حصلت عليها في مهرجان دبي السينمائي الدولي الأخير أقول هذه الشهادة بضمير مهني مستريح رغم انني لم أر فيلم "نوارة" الذي نالت عنه الجائزة ولكنني تابعت معظم أعمال "منة" ان لم يكن كلها.
وكثيرا ما تساءلت: ما الفارق بين سعاد حسني تلك الفنانة بنت زماننا ومن عبرت بصدق واحساس مذهل عن اروع لحظات عشناها في ذلك الزمان. وكانت حاضرة ولاتزال تثير دفقات من شتي المشاعر. تلملم جراح احقاقاتنا في الحب والسياسة وتملأنا بفيض من المرح والبهجة تعيننا علي كبد الحياة.
مازالت سعاد الفنانة والانسانة تحرك فينا شلالات من الالم والشجن وتدفعنا الي استحضار أيام توراث وصار من المستحيل ان نصلح ما فسد فيها. او نوقف تداعيات هذا الفساد ومنها ما جري لسعاد نفسها لكن يظل تاريخها الفني قائما قويا ومثيرا للدهشة. وعلامة وشهادة علي زمن اسعدته ولم ينصفها.
مرة أخري ما الفارق بين سعاد و"منه" الموهوبة الجميلة اعتقد ان الفارق الرئيسي يعود الي التربة الفنية التي أوجدت سعاد والمناخ السياسي - الثقافي - السينمائي الذي غلب علي طبيعة المرحلة التي اسهمت بكل تأكيد في بنية سعاد حسني العقلية وشحنتها كفنانة موهوبة بهذه الطاقة الابداعية الخلاقة.
و"منة" مثل "سعاد" ذكية ولماحة ومتعلمة وبالتأكيد حريصة علي تثقيف نفسها ولكن من تبني موهبة سعاد نخبة من افضل المبدعين ومنهم صلاح جاهين الذي كان بمثابة استاذ ومعلم يشع احساسا ووطنية وصدق وموقف راق جدا من الفن ودوره يفعل ذلك عفويا ومن دون ان يتقمص هذا الدور.. ولم يكن ذلك فقط ولكن كان لصناعة السينما أساتذة كبار مشغول بعضهم بطموحات وقضايا واحلام جمهور عريض يقدرون قيمة الفيلم ودوره وماهية الفيلم كأداة للترفيه والتعبير عن ثقافة وقيم.. في زمن سعاد كان هناك قامات شامخة خالدة في مجال الرواية والتأليف الغنائي والتلحين وفي مجال الشعر والمسرحية وكان لصناعة السينما قوة وحضور داخل محيطها العربي.. وعلي عكس ماجري في تجربة "منة" التي بدأت مع بداية الألفية الثالثة حين بدأت الثقافة الشعبية في التراجع والتباعد عن روح ومقومات الشخصية المصرية الاصيلة وخرج جيل من السينمائيين يمتلئ بأوهام التغيير وقلب موازين صناعة الترفيه فأصبح "العري" قيمة لذاته. فكلما تعرت الممثلة زادت شهرة صانع العمل. واصبحت التفاهة والضحالة سمة قائمة. وتغير مفهوم الترفيه معتمدا اكثر علي الخشونة اللفظية علي البجاحة والعنف وكسر التابوهات والحدود بين ما يجوز وما لايجوز في اساليب التعبير والجنسي في العلاقة بين الرجل والمرأة واصبح التطرف في استخدام العري المجاني المحروم من القيمة الفنية شجاعة وفي السنوات الاخيرة بدت مظاهر البلطجة والعنف الدموي في الحكايات الملفقة التي تنسب للحارة وللعشوائيات من بين السمات البارزة الي جانب الاتجار في المخدرات وفي الشئون السياسية بدعوي المعارضة وكشف الفساد علما بأن الاتجار في "الفساد" والفاسدين من تجار صناعة الفيلم هم الاكثر خطورة سوف تظل أفضل افلام هذه الفنانة منة شلبي تلك التي قدمتها تحت ادارة مخرجين لم يروا فيها مجرد موضوعا للغواية او مجرد "أنثي" للاثارة الحسية. وتخلوا عن فكرة الافراط في صناعة "المناظر" وارضاء ما يتوقعه المراهقون من جمهور الفيلم.
هناك مراحل من الهبوط والصعود في مسيرة كل فنان والمثل المحفوظ هو من يجد التربة الصالحة لتنمية قدراته وللكشف عنها.
وبرغم التدني اللغوي والبيئي والتراجع ثقافيا وفنيا لفتت منه شلبي النظر وحققت كثيرا من الاعمال الفنية الجيدة الجديرة بالبقاء ومنها علي سبيل المثال افلام "أحلي الاوقات" للمخرجة هالة خليل وهي نفسها مخرجة فيلم "نواره" وفيلم "بنات وسط البلد" لمحمد خان وفيلم "انت عمري" لخالد يوسف بالاضافة الي ادوارها في مسلسلات مهمة مثل "حرب الجواسيس" و"حارة اليهود" وحديث الصباح والمساء ولكن سوف يظل الممثل ايا كانت موهبته مجرد اداة في صناعة تعتمد علي التجارة قبل الصناعة والفن خصوصا في بلادنا وذلك مالم يمتلك هو نفسه قوة ضاربة كممثل قادر علي تحقيق الايرادات بقواعد السوق السائدة وصناعة الترفيه لايتحكم فيها الممثل وحده وإنما صناعة مركبة ووليدة مناخ سياسي اجتماعي فني ولانها تعتبر ضمن صناعة الميديا الاهم والاكثر تأثيرا. تتحكم فيها ظروف اخري خارجة عن ارادة الفنان.
** من افضل الاحداث الفنية لعام 2015 حصول منة علي حقها في جائزة دولية من مهرجان عربي وحصول مخرجه علي جائزة ادبية وان كانت غير مادية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف