الوفد
سناء السعيد
تحالفات عشوائية فى عتمة الليل
إنه التحالف العسكرى الإسلامى الذى أعلن عنه وزير الدفاع السعودى مساء الثلاثاء الماضى وقيل إنه سيتألف من 34 دولة ومن بينها مصر.والذى ظهر من الوهلة الأولى أنه تحالف سنى حيث أقصى دولا اسلامية ذات أغلبية شيعية مثل العراق وإيران العضوين فى منظمة المؤتمر الاسلامى.لقد بدا وكأن هذا التحالف قد تم تشكيله بغطاء أمريكى غربى بهدف مواجهة المحور الايرانى العراقى السورى المدعوم من روسيا. الاعلان عن التحالف المذكور لم ينبع من فراغ وإنما جاء متسقا مع ما تخطط له أمريكا وما جاء على لسان «جون ماكين» مسئول اللجنة العسكرية فى الكونجرس الأمريكى عن ضرورة توفير مائة ألف جندى من الدول السنية لمجابهة داعش كما يتسق مع ماكشف عنه «جون بولتون» أحد صقور المحافظين الجدد من ضرورة إقامة دول سنية على أنقاض داعش فى المنطقة التى يسيطر عليها التنظيم شرقى سوريا وغرب العراق فى موازاة دولة شيعية فى جنوب العراق وكردية فى شماله، فهو أشبه ما يكون بحلف «ناتو سنى» بزعامة السعودية.
جاء التحالف الجديد من أجل تمرير ما سبق لوزير خارجية السعودية أن أعرب عنه، ألا وهو التدخل العسكرى فى سوريا من أجل دعم المعارضة المسلحة التى تحارب نظام بشار. الغريب أن الرياض لم تستوعب درس عاصفة الحزم التي أخفقت على مدى تسعة أشهر في القضاء على الحوثيين وإعادة الشرعية في اليمن، وعلى العكس فتحت السعودية على نفسها نيرانا ثأرية تجسدت فى التوغل الحوثى فى مناطق سعودية جنوبية مثل نجران وجازان، وتصاعدت الخسائر البشرية وآخرها مصرع قائد القوات السعودية الخاصة العقيد الركن «عبدالله السهيان» فى أعقاب الضربة التى وجهها الحوثيون ضد مقر قيادة التحالف فى باب المندب، بما يؤكد وجود أزمة فى إدارة الحرب السعودية فى اليمن.
لقد ترجم «محمد بن سلمان» وزير الدفاع السعودى على أرض الواقع ما أكده تقرير وكالة المخابرات الألمانية من تبنى المملكة سياسة الاندفاع فى المواقف حيال قضايا المنطقة. وهو أمر من شأنه أن يوسع دائرة الصراع العربى الإقليمى، ويفرض استقطابا يشطر العالم الاسلامى إلى سنى وشيعى، الامعان اليوم فى التدخل فى دول المنطقة عسكريا على أساس الطائفية العرقية التى رسختها أمريكا منذ أن قامت بغزو العراق فى مارس 2003، بهدف تقسيم الدول العربية على أساس طائفى عرقى مذهبى، وهو التقسيم الذى سيتم بموجبه إعادة رسم الحدود الجغرافية للمنطقة من خلال «سايكس بيكو» جديد.
ما يخشاه الكثيرون أن يتسع هذا المخطط العسكرى إلي حد اجتياح الدول التى تم إقصاؤها عن التحالف العسكرى الاسلامى وأعنى بها سوريا والعراق وإيران تحديدا، لاسيما وهى الدولة التى ما فتئت السعودية تهاجمها عبر تصريحات تصورها كفزاعة للمنطقة وتصنفها كعدو رئيسى للعرب يجب بتره. إن سياسة الاستقواء بأمريكا والناتو لمساندة التحالفات العسكرية فى المنطقة ستؤدي حتماً إلى وقوع خسائر كبيرة فى الأرواح فضلا عن تدمير البنى التحتية فى أى عمليات عسكرية جزافية. الغريب أن الحديث عن التحالف العسكرى والإسلامي وعن الحرب ضد الإرهاب لم يتطرق إلى الكيان الصهيونى رغم أنه العدو الرئيسى للعالم الاسلامى!!.
التحالف الجديد يساوى بين إيران والارهاب كعدو للدول السنية. ولا أعلم كيف لدول مثل تركيا وقطر ترفع راية محاربة الإرهاب، فى الوقت الذى تقوم فيه بدعم جماعات إرهابية كالنصرة المحسوبة على القاعدة وأحرار الشام وجيش الإسلام، وهى المنظمات التى تسعى لتدمير سوريا من خلال إسقاط النظام وتقسيم الدولة؟.
مشروع التحالف العسكرى الاسلامى تحوم حوله الشبهات، فلقد تم الإعلان عنه فى معرض التماهى مع المطالب الأمريكية. ومن ثم لم يكن نابعاً من حرص على مصلحة الأمتين العربية والإسلامية. ولذلك بدا وكأن أمريكا أملته على المنطقة بهدف شرذمة الدول وشق الصف العربى، وإثارة النعرات المذهبية لاسيما بعد أن أقصت عن التحالف دولا كالعراق وسوريا وإيران.
لهذا كله أقول من الخطأ البين أن تسارع مصر بقبول الانضمام إلى هذا التحالف الارتجالى العشوائى، لأنه بديهيا سيؤدى إلى تهديد أمنها، ويشتت الجهد ويلحق الضرر بمصالحها ويضع اسفينا بينها وبين إيران، وبينها وبين روسيا التى تعد أكبر داعم لمصر اليوم. مشاركة مصر فى التحالف خطأ بين حيث إنه يتعارض مع سياستها المعلنة، فعلى أى أساس تدرج نفسها فى هذا المستنقع، لاسيما وتجربة تحالف عاصفة الحزم ماثلة أمامنا، فالداخل في هذه التحالفات خاسر بالتأكيد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف