عبد المجيد الشوادفى
في انتظار الحرب العالمية الثالثة
قبل أكثر من تسعة أشهر وتحديداً يوم 4 مارس الماضى وعلى هذه الصفحة اليومية من (الوفد) وتحت عنوان (فى انتظار الحرب العالمية الثالثة) عرضت فى مقالى أن التغيرات التى جرت فى الفترة الفاصلة مابين الحربين العالميتين خلال النصف الأول من القرن العشرين كانت ذات طابعين أساسيين هما: التفكك التدريجى للمعاهدات الدولية عامى 1919و1920.. وبروز أنظمة سياسية جديدة أسهم كلاهما فى اتساع هوة الخلاف بين الدول التى كانت بعضها صاحبة إرادة السيطرة والنفوذ ويرجع التأثير فى ذلك الى ثلاثة تحديات رئيسية:
أولهما الصعوبات الاقتصادية التى تميزت بعدم الاستقرار الناتج عن الحرب العالمية الأولى والذى هدد أحيانا النظام الرأسمالى فى أوروبا الغربية والولايات المتحدة معا.
ثانيهما: المذاهب السياسية الجديدة التى جمعت التطور السياسى للدول العظمى فى اتجاه واحد واشتركت مؤسساتها السياسية كلها فى (المذهب البرلمانى الحر) واعتبره كل الناس فى حينه (شارة الحضارة) غير انه تمت معارضته بعنف وظهرت مذاهب أخرى ذات صبغة مشتركة واحدة وهى (احتقار فكرة الحرية).
ثالثهما اختلاف المصالح بين الدول العظمى رغم ضرورة توافر حد أدنى من التفاهم والتضامن الذى لم يكن موجودا بين الدول الرابحة للحرب للحفاظ على المعاهدات التى أبرمت.. فقد انفرط الوثاق الذى كان يربط المنتصرين وظهرت اختلافاتهم فى القضايا الأوروبية وقضايا الدول خارج القارة، ومن بينها قضايا البحر الابيض المتوسط صاحب الدور النشط جدا فى الحياة الدولية باعتباره منطقة (تماس ومبادلات) بين القارات الثلاث أوروبا وآسيا وافريقيا وطريق عبور دولية وخاصة بعد افتتاح قناة السويس عام 1869 وأشرت فى مقالى الى أنه وعلى ضوء أحداث ما قبل نهاية منتصف القرن العشرين وماتلاها من أزمات ومصاعب وخلافات وحروب محلية وإقليمية ودولية لاتزال مستمرة حتى الآن فإن الأمر يقتضى أن نمعن النظر فى واقعنا الذى نعيشه حاليا وكأن التاريخ يعيد نفسه لنشوب الحرب العالمية الثالثة وبذلك يكون ما نشرته (الوفد) مجرد (رأى خاص) قد استبقت به الأحداث وما قد يترتب عليها من نتائج نعرض بعضا منها كما يلى:
أولها: إسقاط تركيا لطائرة حربية روسية فوق سوريا يوم 24 نوفمبر الماضى وتركيا تعترف والرئيس الروسى يعتبرها طعنة فى الظهر ويهدد بعواقب وخيمة.. والحادث ينذر بمواجهة بين روسيا والناتو على الأراضى السورية.
ثانيها: تقرير شبكة (سى. ان. إن) الامريكية الاخبارية يقول يوم 25 نوفمبر الماضى ان المعركة فى سوريا هى الحرب العالمية الثالثة.. وأعلنت (روسيا)عن إجراءات عقابية ضد (تركيا) على المستويات السياسية والاقتصادية والتجارية ووقف الرحلات السياحية (26 نوفمبر الماضى).
ثالثها: الجيش التركى يرسل تعزيزات عسكرية الى جنوب البلاد على الحدود السورية.. وقال الرئيس التركى أردوغان إن بلاده سترد بنفس الطريقة على انتهاك أجوائها.
رابعها: رئيس مجلس النواب الروسى (الدوما) يعلن يوم 27 نوفمبر الماضى أن من حق بلاده الرد العسكرى خاصة أن ماحدث هو قتل متعمد للجنود الروس ويستحق العقاب سواء ما يتمشى مع القانون الدولى أو عسكريا.
خامسها: كشفت وكالة (جيهان) التركية للأنباء يوم 28 نوفمبر الماضى عن رفض الرئيس الروسى (بوتين) دعوة نظيرة التركى (أردوغان) لعقد لقاء على هامش قمة المناخ فى باريس.. وأمريكا تطالب تركيا بنشر ثلاثون ألف جندى على الحدود مع سوريا.
سادسها: وفى إطار ما ينبئ بالحرب العالمية الثالثة ما كشفته وزارة الدفاع الروسية يوم 2 ديسمبر عن تسلل ما يقرب من ألفين من المقاتلين وتهريب 120 طناً من الذخيرة عبر الأراضى التركية دعما لصفوف (داعش) ضمن سلسلة من الأدلة التى تثبت تورط تركيا فى تمويل الارهاب وفى ذات الوقت جاء بيان رئيس الوزراء العراقى وفصائل شيعية مسلحة - بعد ساعات من اعلان الولايات المتحدة الامريكية (إرسال قوات خاصة لمساعدة العراق فى حربه ضد التنظيم الإرهابى) رفضهم لنشر قوات على الأرض العراقية (أجنبية أو تركية).. ونقلت صحيفة (هآرتس الاسرائيلية) عن رئيس الوزراء (نتنياهو) قوله: (ننفذ من وقت لآخر عمليات فى سوريا حتى لا تتحول الى جبهة ضدنا).
ومع استمرار حرب التهديدات وتبادل الاتهامات بتمويل الارهاب بين روسيا وتركيا والدعم المعنوى اللوجيستي لمواقف الطرفين فى مختلف الدول فإن العالم يسير فى الاتجاه لحرب عالمية جديدة فى منطقة الشرق الأوسط وهذا ما أشرنا اليه منذ 9 شهور مضت.