الأهرام
عباس شومان
نبى الرحمة لم يُرسل بسيف
نُقل عن أحد «الدواعش» المجرمين أنه كان يردد بعد ارتكابهم تلك الجريمة البشعة بحق الأبرياء من أبناء الوطن فى ليبيا، أن الله بعث نبى الإسلام بالسيف رحمة للعالمين
. وهذه العبارة ما هى إلا إحدى مفردات سلاحهم الفكرى الذى أحسب أن خبراء خبثاء عكفوا على تراثنا والتقطوا لهم أقوالا وعبارات أعادوا توظيفها وتغليفها بغلاف الدين لتظهر فى صورة الحق الذى أريد به باطل، إما لتوجيه سهام مسمومة إلى شريعتنا الغراء، وإما لإقناع من يأملون فى انضمامهم إلى صفوفهم من شبابنا مستغلين عاطفتهم الدينية التى فُطروا عليها، ضمن سلسلة طويلة أُعدت بعناية، زُوّد بها هؤلاء مع تجهيزهم العسكرى والمعلوماتى فائق التقنية قبل أن يُطلق هؤلاء فى بلاد العرب لينتقوا بعناية فرائسهم فى مكر ودهاء لم يفعله أسلافهم من الجماعات المجرمة التى عاثت فى الأرض فسادا قبلهم.إن هذه الفرية التى ادّعاها هؤلاء المجرمون على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كافية ليتبوأ هؤلاء البغاة مقاعدهم من النار وإن لم يرتكبوا شيئا من فظائعهم بعدها، وذلك لقوله «صلى الله عليه وسلم:» إنَّ كذبا عليَّ ليس ككذبٍ على غيري، فمن كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، فما بالنا إذا علمنا أن ما ادعاه هؤلاء الجهولون إنما هو تكذيب لكتاب الله وتحميله ما ليس فيه؛ إذ يقول ربنا - جل وعلا: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»، إلا أن يكون لهؤلاء المجرمين كتاب لا نعرفه وجدوا فيه كلمة السيف محشورة مع الرحمة التى أرسل بها صلى الله عليه وسلم؟! لقد كان هذا الجهول الذى لقَّنهم هذه العبارة لترديدها غاية فى السقوط والجهل حين اختار هذه العبارة التى يعرف الأطفال قبل الكبار بطلانها، فأصحاب الفطر السليمة والعقائد الصحيحة يعرفون الرحمة التى أرسل بها رسولنا الكريم على وجهها الصحيح، وكيف يكون نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، مرسلا بالسيف وهو الذى قال له رب العالمين: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ؟! وكيف يكون نبى الإسلام مرسلا بالسيف وقد أمره ربه بأن يتخذ الحكمة والموعظة الحسنة وسيلة لدعوته، فقال عز وجل: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ»؟! أليس هو من قال له ربه ذ عز وجل: لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ؟!


لقد كانت مهمة نبى الرحمة هى البلاغ المبين عن رب العالمين وبيان الحق والباطل، ثم للناس الخيار بعد ذلك، فمن اختار طريق الهداية فقد نجا، أما من اختار طريق الغواية والضلال فأمره إلى ربه عز وجل. وقد بين الله عز وجل فى كتابه منهج دعوة خاتم المرسلين بجلاء ووضوح لا لبس فيه، وهو دعوة الناس وجدالهم بالحكمة والموعظة الحسنة وليس بقوة السيف كما يدعيه هؤلاء المجرمون، وما كان لرسولنا الكريم - حاشا لله - أن يخرج عن هذا المنهج القويم قيد أنملة، وقد شهد له رب العالمين بانتهاج الصراط المستقيم والتمسك بالهدى القويم حين قال: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ. لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَمَا مِنكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ.


والمتتبع للسيرة العطرة للنبي، صلى الله عليه وسلم، حين انتقل إلى المدينة المنورة وكان فيها قبائل يهودية والأوس والخزرج بينهما ما بينهما، لم يقطع رقبة أحد ولم يحرق أحدا ولم يبث الرعب فى نفس أحد من أجل تكوين دولته بالمدينة، وإنما أصلح الله به ما بين الأوس والخزرج فأصبحوا أنصاره، وآخى بينهم وبين المهاجرين معه، وأبرم مع القبائل اليهودية معاهدات سلام لم ينقض واحدة منها حتى نقضوها. وكانت الرحمة شعاره هو وصحابته رضى الله عنهم فى حالات الحرب التى اضطروا لخوضها دفاعًا وليس هجومًا كما يصنع هؤلاء البربريون الذين يتحدثون بلساننا لكنهم أشد علينا وعلى الإسلام من طعن الرماح. لقد كان النبي، صلى الله عليه وسلم، ينهى عن الغدر والخيانة، وعن قتل غير المقاتلين، ويأمر بإحسان القتل عند الاضطرار إليه، وقد غضب» صلى الله عليه وسلم - حين رأى امرأة مقتولة بين صفوف المشركين وقال: ما كانت هذه لتقاتل، وأرسل إلى سيدنا خالد بن الوليد فى مقدمة الجيش يأمره بعدم قتل الصغار والنساء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف