تبدو الأمم أشد ما تكون حاجة للمثل العليا. ومعاني التضحية والفداء. في أوقات المحن. وحينما يحاصرها الأعداء ويتطاول عليها المجرمون. وعندما تنهار القيم النبيلة وتسود أخلاقيات التكسب والارتزاق ويعم السعي للخلاص الفردي حتي لو كان علي حساب الآخرين أو كان ثمنه خيانة الأهل وبيع الأوطان والتجارة في آلامها ومعاناتها.
وفي مواجهة الجماعات الإرهابية التي استحلت دماء شعبنا وسعت من أجل تخريب استقرارنا وتآمرت مع أعدائنا لهدم بنيان بلادنا يقدم ابطالاً من طين أرضنا. ارتووا من ماء نيلنا وتمرغوا في تراب وطننا نموذجا مخالفا لشباب معطاء من بسطاء أهلنا ضحوا بالنفس الغالية راضين مستبشرين حتي يزودوا عن مصر الغالية ساعين لحمايتها من كل شر.
ومن هؤلاء البطل "محمد أمين شويقه" ابن قرية "الابراهيمية" بدمياط الشهيد الذي روي أرض الوطن منذ أيام بدمه الغالي بعد أن احتضن عنصرا من الإرهابيين القتلة كان يحمل حزاما ناسفا لكي يفتدي رفاقه الضباط والجنود من أبناء الجيش المصري ويقدم حياته قربانا لحرية بلاده ورخاء أمته وأمن وطنه.
* * *
تذكرت وأنا أقرأ تفاصيل استشهاده البطولي الجليل قصيدة "الشهيد" التي ترنم بها الشاعر الفلسطيني الثائر "عبدالرحيم محمود" وخلد من خلال كلماتها ذلك البطل العظيم الذي يهب حياته رخيصة من أجل حرية وطنه ومجد أمته :
سأحمل روحي علي راحتي
وألقي بها في مهاوي الردي
فإما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيظ العدا
ونفس الشريف لها غايتان
ورود المنيا ونيل المني
وما العيش .. لا عشت إن لم أكن
مخوف الجناب حرام الحمي
إذا قلت أصغي لي العالمون
ودوي مقالِي بين الوري
لعمرك إني أري مصرعي
ولكن أغذ إليه الخطي
أري مصرعي دون حقي السليب
ودون بلادي هو المبتغي
يلذ لأذني سماع الصليل
ويبهج نفسي مسيل الدما
وجسم تجندل فوق الهضاب
تناوشه جارحات الفلا
فمنه نصيب لأسد السماء
ومنه نصيب لأسد الثري
كسا دمه الأرض بالأرجوان
وأثقل بالعطر ريح الصبا
وعفر منه بهي الجبين
ولكن عفاراً يزيد البها
وبان علي شفتيه ابتسام
معانيه هزء بهذي الدنا
ونام ليحلم حلم الخلود
ويهنأ فيه بأحلي الرؤي
لعمرك هذا ممات الرجال
ومن رام موتا شريفا فذا
فكيف اصطباري لكيد الحقود
وكيف احتمالي لسوم الأذي
أخوفا وعندي تهون الحياة
وذلا وإني لرب الإبا؟!
بقلبي سأرمي وجوه العداة
فقلبي حديد وناري لظي
وأحمي حياضي بحد الحسام
فيعلم قومي بأني الفتي
* * *
لو أحسنا إلي هذا الوطن وأردنا له الخير والنماء علينا أن نقدم لأطفالنا وشبابنا. ومواطنينا من كل الأعمار والفئات أشباه هذا النموذج البطولي العظيم بديلا عن الغذاء المسموم الذي نطعمهم إياه كل يوم من أجهزة إعلام تابعة أو مأجورة تتعمد تسطيح الفكر وتشويه الوعي وتجريف الضمير. وأن نجعل من اسمه وسيرته مثالا وعنوانا للجيل الناشيء فيتعلمون من قصته معاني البطولة المنشودة. ويتحصلون من دورسها ما يفتقدونه من قيم وما يحتاجونه من قدوة وما يتطلب بناؤهم الروحي والفكري من أسباب للتضحية ومعالم للبذل والفداء.