الجمهورية
د. أحمد دراج
أين هيبة الدولة من جرائم النقل الثقيل؟
شهدت مصر خلال الفترة الماضية كما مرعبا من الحوادث المرورية التي أودت بأرواح عشرات الاطفال من طلاب المدارس ومزقت اجسادهم وسالت دماؤهم الذكية البريئة علي الأسفلت وطالت الرجال والنساء أيضا ولكن للأسف الشديد ما لبثت الفورة المفاجئة ضد مجانين القيادة الطلقاء ان خبت جذوتها بعد صدور قانون يغلظ العقوبات والغرامات علي سائقي النقل الثقيل الذين يتناولون المخدرات وتحديد فترة زمنية معينة لسير الشاحنات بين الثانية عشرة مساء والسادسة صباحا ثم اختزلت القضية في الكشف عن المخدرات بتحليل عينات بول بعض السائقين في كمائن معينة وما أحاط بها من الشبهات وقد تحول الجد إلي هزل وتراجعت الحكومة عن تطبيق القانون الذي صدر دون تفكير أو دراسة بعد ضغوط من جهات مختلفة وضاعت هيبة الدولة وعادت ريمة إلي عادتها الديمة فوضي.. دم.. قتل.
بالأمس القريب الاثنين 16/2/2015 كنت في طريقي من القاهرة إلي مدينة طنطا بسيارتي الخاصة علي الطريق الزراعي وبالتحديد قبل كوبري بنها العلوي وفي تمام الساعة 10.3 ظهرا ازدحم الطريق فجأة بعد ان كانت سيارات النقل الثقيل تسير بكل السرعات ويتسابق بعض سائقيها مع سائقي السيارات الملاكي خارج حدود السرعات المقررة وتشغل سيارات النقل الثقيل بجراراتها جميع الحارات في اليمين واليسار والوسط بسرعات جنونية تؤكد ان شيئا لم يتغير في فوضي المرور سواء داخل المدن أو علي الطرق وأصبح الطريق الزراعي الذي لا يتسع إلا لمرور ثلاث أو أربع سيارات في الحارات المتاحة تتدافع فيه ست صفوف من السيارات المتنوعة ملاكي ونقل ثقيل ومقطورات وميكروباصات وتكاتك وتروسكلات وجرارات زراعية سواء علي الأسفلت أو الطريق الترابي علي الجانبين في مشهد عبثي مجنون ومن خلفي سائق سيارة نقل بمقطورة يستخدم بوق السيارة في النعيق وبث الرعب في قلوب سائقي السيارات الملاكي حتي يفسحوا له الطريق وكان جزائي دفع سيارتي من الخلف بمقدمة تلك السيارة النقل ولولا رحمة من الله والمسافة التي تفصل بيني وبين السيارة التي أمامي لوقع لسيارتي ولي وللسيارة التي أمامي ما لا يحمد عقبه وبالطبع لم استطع تعطيل الطريق المزدحم في الأصل وسرت علي مضض لأجد سيارة نقل ثقيل أخري "تريلا" بعد عشرات الأمتار وقد صدمت سيارة ملاكي وهشمت نصفها الأيمن مما سبب ازدحاما في الطريق بينما يقف رجل المرور حائر في مواجهة سائق النقل الثقيل المتعجرف والذي يرفض الامتثال للقانون فأين ذهب القانون وهيبته التي نسمع عنهما في التعامل مع الضعفاء والمهمشين وحدهم؟
ان ما يحدث في طرق وشوارع مصر من فوضوية مرورية تصيب المرء بالفزع والهلع لأن الحكومات المتتالية بعد سقوط نظام مبارك ونظام الجماعة الفاشية ووصولا إلي حكومة المهندس ابراهيم محلب لم تستطيع انجاز أي تقدم يذكر في هذا الملف بل ان حالة الفوضي اصبحت تضرب كل الآمال المعقودة علي تحسن اداء مؤسسات الدولة المترهلة منذ قيام الثورة لحل احدي المعضلات المزمنة والتي لا تشجع علي الاستثمار الأجنبي في البلاد بالاضافة إلي الدماء التي تسيل والأرواح التي تزهق سنويا والسبب الرئيسي في استفحال ظاهرة الانفلات والتسيب ان لدينا مسئولين في مناصب رفيعة لا يملكون من المواهب والخبرات سوي قدرة فذة علي تصنيع الشماعات كمبررات يعلقون عليها فشلهم الدائم وعدم تمكنهم من مواجهة المشاكل البسيطة ومحاصرتها من البداية قبل استفحالها وتجري علي ألسنتهم دائما عبارة ضعف الامكانيات المادية ونقص الميزانية التي تعد ضيفا مقيما علي تصوراتهم الخاطئة وحواراتهم المتيبسة.
هؤلاء المسئولون يفتقدون إلي أبسط مباديء الخيال والقدرة علي الابداع ومع ذلك لديهم زخم وشبكة هائلة من العلاقات الشخصية التي تمكنهم من الاحتفاظ بمواقعهم الوظيفية ليراكموا الاحباطات والفشل عند الشعب الذي نفد صبره.
يا سادة: ل نريد قوانين جديدة لتغليظ العقوبة المادية ولكن نريد منظومة مرورية تعمل وفق مبدأ "الوقاية خير من العلاج" والقانون ينفذ علي الكبير قبل الصغير ومعاقبة المرتشين بلا رحمة أما إذا كنا غير قادرين علي حل مشكلة الفوضي فلتستقدم الدولة خبرات مرورية من أوروبا أو من دول الخليج والأردن والإمارات ولبنان بدلا من استمرار مسلسل الفوضي المرورية اللاخلاقة التي نصنعها بأيدينا وتجاهل اهمال مسئولينا وعدم محاسبتهم علي تقصيرهم في اداء مقتضي وظائفهم.
وإلي من يهمه الأمر من السادة المسئولين "رقم السيارة النقل بمقطورة التي كانت ترهب السيارات الصغيرة هو 151685 ورقم مقطورتها 151651 - وعلي كبينتها شعار تحيا مصر 1844" والله من وراء القصد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف