عبد الجليل الشرنوبى
الثائرون شهادة .. زوجة المستشار الشهيد نموذجا
فى مايو الماضى أصدر تنظيم القتَلَة «الإخوان» فتوى يحلل بها لأعضائه دماء كل من شارك فى إسقاط حكم التنظيم لمصر، فتوى سافرة فى دمويتها تقول فى بندها الرابع (إن الحكام والقضاة والضباط والجنود والمفتين والإعلاميين والسياسيين، وكل من يَثْبُتُ يقينًا اشتراكُهم، ولو بالتحريض، فى انتهاك الأعراض وسفك الدماء البريئة وإزهاق الأرواح بغير حق، حكمهم فى الشرع أنهم قتَلةٌ، تسرى عليهم أحكام القاتل، ويجب القصاص منهم بضوابطه الشرعية، والله تعالى يقول: «..إنه مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا».سورة المائدة: 32 .
هذه الفتوى يا أبناء مصر تستهدفكم جميعاً، طالما شاركتم أو دعمتم أو حتى فرحتم لتحرير وطنكم من أيدى تنظيم توهم أنه قد استولى على كل زاد، وأحكم قبضته على البلاد وأخضع لسلطانه رقاب العباد، إنها فتوى سبقت اعتماد التنظيم الدولى لخطة (إفشال الدولة تمهيداً للحسم بالإسقاط)، والتى تستحل استهداف شخصيات اعتبارية تبدأ ـ بحسب الفتوى وخطة التنظيم ـ باستهداف الحكام والقضاء والضباط والجنود وعلماء الدين والإعلاميين والسياسيين، ثم تمتد لتشمل كل المصريين باعتبارهم (ركنوا إلى الذين ظلموا). إنها حقيقة الاستهداف الشخصى التى يجب أن يستوعبها كل منتمً لهذا الوطن، ولافرق فى هذا التَنَبُه المطلوب بين مصرى من عامة الشعب وبين مصرى صار وزيراً أوحتى رئيس جمهورية، فمصر بكل مكوناتها مستهدفة. مارس ــ ويمارس- التنظيم عمليات شحن نفسى لأعضائه، بمشاهد دماء أبرياء ساقتهم تكليفات التنظيم إلى حتفهم فى رابعة العدوية، وما من مستهدف لهذا الشحن إلا مزيدا من الدماء تعفى التنظيم من السقوط، وتعفى قادته من الحساب، إنها عملية شحن تستهدف شيوع الهدم وانتشار الفوضى لتسيل دماء المصريين أنهاراً.
ومن واجب كل مصرى مُتَنَّبه لحقيقة ما يستهدفه التنظيم، أن تكون أولى أدوات مواجهة هذا الخطر هوى عملية شحن مضادة تعلى فى نفوس المصريين البناء راية، والنظام شعاراً، وتدعم أسباب الحياة بصون الدماء وتحويل دماء شهداء الوطن إلى مداد يسطر سطور مصر الجديدة بعز أبناء دفعوا أرواحهم ثمناً حتى لا يؤتى الوطن وهم على ثغورهم يحرسون.
إن ثورة الشعب المصرى التى انطلقت فى 25يناير 2011 ، كان حلم كل مخلصيها مصر الجديدة التى تضمن أسباب الحياة الحرة الكريمة والعادلة، هذه الثورة امتدت لتسقط التنظيم الأقوى عالمياً، وتفاعلت لترسم طريق البداية نحو بناء الوطن القادم، وبالتالى فإن خطوات ثورية تمت فى جولتين (25 يناير ـ 30 يونيو) وبلغت أولى محطاتها (استرداد الوطن)، ويعلم كل مصرى أن من ثار عليه أن يواصل ثورته بناءً لنصل بمصر إلى المحطة الثانية (استقرار الوطن)، ليتواصل الفعل الثورى البناء إبداعاً وأملاً فى أن يصل قطار الثورة المصرية إلى غايته فى (تطوير الوطن)، هذه الروح الثورية هى القادرة -عندما تستقر عقيدة فى نفوس المصريين- على مجابهة كل ثوار تنظيم القتلة (الإخوان).
إن مصر تحفل يا ولاة الأمر بنماذج آمنت مبكراً بحتمية استكمال الثورة المصرية بناء، وأدركت أنه لا أمل فى مواجهة مجتثى الحياة إلا بأن تزرع براعمها سواعد ذابت فى مصر حباً، وآمنت بحق أبنائنا فى وطن لا تفخخ سياراته ولا تُستهدف حافلاته ولا يحتكر دينه ولاته، وليس الحديث هنا محض براح كاتب، فـ «بهية» وَلُودْ ورحمها وإن ابتلانا أحياناً بأبناء فَجَرَة إفساداً وفساداً، إلا إنه لا يكف عن إتحافنا بنماذج للمصرى الأصيل، ومنها نموذج يحمل اسم الدكتورة عزة عزوز أرملة الشهيد المستشار عمر حماد «وكيل مجلس الدولة» الذى استشهد بعدما استهدفه إرهابى فى فندق العريش، تتحدث الأرملة المكلومة بثبات بهية الأصيل فى أوقات المحن، تقول (طالبت بأن يوضع اسم الشهيد على أكبر قاعات مجلس الدولة، ليس لمجرد تكريمه وهو يستحق، ولكن ليكبر أبناؤه الثلاثة ويسيروا على درب أبيهم، وكلما دخلوا مجلس الدولة يشاهدون اسم أبيهم فيعلمون على أى شى مات).
تفاجئنا بهية كلما ظننا أن خذلوها، تأخذ بيدنا فى وقت عز فيه النموذج، وتاهت معالم القدوة بأسباب عدة على رأسها (فوضى المشهد الإعلامى)، لتضعنا أمام نماذج للثبات المصرى واليقين الواعي، بلسان الزوجة المحتسبة تتحدث، وبقوة أم الصغار التى يجب أن ترعى حماهم تنطق، وبإدراك دينى يغيب عن كثيرين من شيوخ الفضائيات، تخطب أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، فى وعى كل مصري، (عاش مجاهداً فى ميدانه ومات شهيداً فايتقبله الله فى الشهداء)، إنه النموذج الوعى الذى يجب أن يُعَمَّمْ، ودرس الأصالة المصرية الذى يجب أن نستوعبه، فهو الطاقة التى يفتقر إليها واقع إدارة مشهد المواجهة الحالي. ومن الخيانة للثورة المصرية أن تتحول تجربة الشهيد (عمر حماد) النضالية، إلى مجرد متابعة تنتهى بتكريم رئاسى أو اسم على قاعة مهما بلغ حجمها، فللشهيد المستشار ملف نضال فى ساحات العدالة أثمر مواقف قضائية ستظل علامات شامخة (حكم إبطال عقد مدينتى نموذجاً)، وللشهيد المستشار جسارة مطلوب تعميمها وهو من لبى الدعوة للإشراف على العملية الانتخابية فى العريش حين خاف من خاف، وكان يملك رفاهية الرفض دونما عناء. وللشهيد المستشار لسان بيان واع أورثه زوجته لينبعث صوته عبر حنجرتها بعد شهادته ليطالب مصر كلها باستكمال الثورة بناءً (أكتبوا اسمى شهيداً ليعلم أبنائى والأجيال القادمة أن مصر لم تعدم رجالاً يواجهون الموت لتظل رايتها عالية ولتبقى آمنة رغم كل أعداء الحياة).
وأخيراً يظل تنظيم القتلة ذالإخوان- قادراً على الحركة، كلما شاع الظلام والفوضى والخراب، ولهذا يستهدف حالياً كل مكونات مصر، وتظل مصر قادرة على وأد هذا التنظيم كلما أدرك شعبها وولاة أمرها ما أدركته زوجة شهيد الوطن عمر حماد .. حين خرجت علينا بشموخ الانتساب لشهيد تطالبنا بأن نسير على دربه بناء.