عبد القادر شهيب
شيء من الأمل أصحاب المبادئ يمتنعون !
عجبت لمن كان يهاجم بشراسة قائمة «في حب مصر» قبل الانتخابات البرلمانية، وعندما اقترب موعد الانتخابات سارع بالالتحاق بها والانضمام إليها وشارك في هذه الانتخابات واحد من فرسانها!
وعجبت لمن كان يدافع بقوة وحزم عن هذه القائمة خلال الانتخابات ويتصدي بقوة لمن يهاجمونها، وفعل ذات الشيء مع ائتلاف النائب سيف اليزل مؤسس القائمة.. ثم عندما اقترب موعد انعقاد البرلمان واختيار رؤساء اللجان ووكلائهم وأمناء السر، انقلب علي عقبيه وانطلق يهاجم هذا الائتلاف ويهدد بالانسحاب منه!
وعجبت لمن انحاز ضد المخرج والنائب خالد يوسف بعد بلاغ سيدة وزوجها تتهمه فيه بالتحرش بها، وانطلق يهدد المخرج بفضحه أكثر ولا يبالي بأنه يتدخل في أمر معروض أمام النيابة.. وفجأة يعتذر له ويبشر المخرج بأنه سوف يسانده ويدعمه!
وعجبت لمن انشغل خلال شهور طويلة مضت بالهجوم علي رجل أعمال شهير متهما إياه بكل النقائص والمثالب وجعل منه هدفا مختاراً يسعي للنيل والتشهير به.. وفجأة يتوقف عن ذلك ويعلن أنه يمد يده لرجل الأعمال للتصدي لما أسماه محاولات السيطرة علي البرلمان!
وعجبت لمن خرج ليهاجم إعلاميا متهما إياه بأنه خان زميلا له عندما تم حبسه في قضية خاصة وتخلي عنه.. وفجأة يتصالح الجميع،الإعلاميان والذي كان يدافع عن أحدهما ويهاجم الآخر!
وعجبت لمن كان يطالب بحرارة وقوة لتعديل الدستور الجديد معدداً العيوب والنقائص فيه التي تحض علي هذا التعديل.. وعندما كان يتصدي له البعض رافضين تعديل الدستور كان نصيبهم منه الهجوم.. وفجأة يفقد هذا المطالب بحرارة لتعديل الدستور حماسه في هذا الصدد بل وينضم لمن كان يهاجمهم من قبل رافضا تعديل الدستور!
وعجبت لمن كان منذ بداية تشكيل الحكومة الحالية يرفضها ويبشر بتشكيل حكومة أخري جديدة مغايرة بعد انتخاب وتشكيل البرلمان.. وفجأة وبدون تفسير أو تبرير تغير موقفه وصار يدافع عن هذه الحكومة ويشيد برئيسها ويطالب باستمرارها لأننا لن نغير حكومة كل شهرين أو ثلاثة حفاظا علي الاستقرار!
عجبت لكل ذلك وغيره الكثير.. ولكن إذا عرف السبب ـ كما يقال ـ بطل العجب.. فإن المواقف لدي البعض منا لا تصاغ استنادا لمبادئ وأفكار ورؤي، وإنما تصنعها أساسا المصالح.. والمصالح الآنية والضيقة.. ولذلك عندما تتغير المصالح تتغير وتتبدل هذه المواقف!
والمصالح هنا هي مصالح شخصية قابلة للتغيير من وقت إلي آخر وبشكل سريع، ويتلوها بالطبع تغير مماثل وسريع وفجائي في المواقف علي هذا الشكل المثير للانتباه!.. صحيح أن أصحاب المواقف المتبدلة والمتغيرة من النقيض إلي النقيض يحاولون عادة تبرير مواقفهم، لكن هذا التبرير لا تقبله فطنة الرأي العام ولا يستسيغه من يتابعون تلك المواقف المتقلبة في كل الاتجاهات.. حيث يصير خصوم الأمس أصدقاء اليوم ويتحول أصدقاء الأمس إلي خصوم اليوم.
ولا لوم بالطبع علي أحد في أن يغير مواقفه ويبدلها بين فترة وأخري، أو بين يوم وآخر، أو حتي بين ساعة وأخري.. فكل منا مسئول أمام الناس عن مواقفه.. ومعروف أن المصالح ليست دائمة وإنما هي متغيرة، خاصة تلك المصالح الخاصة الضيقة أو التكتيكية، وخاصة أيضا إذا كانت الرغبة في تحقيق هذه المصالح كثيرة والسعي لإنجازها محموما!.. وهكذا من حق كل شخص عادي وليس الشخص العام فقط (السياسي والإعلامي وغيرهما) أن يبدل مواقفه كما يشاء وفي أي وقت يشاء، ولا يهم إذا كان تبريره غير مقبول فهو الذي سوف يحصد في نهاية الأمر نتائج مواقفه، احتراما من الرأي العام أو عكس ذلك.
ولكن ليس مقبولا أن يحاول أصحاب تبديل المواقف إقناعنا أنهم يفعلون ذلك انطلاقا من مبادئ معينة أو لإيمانهم بمبادئ محددة فالأمر هنا لا علاقة له بأي نوع من المبادئ، وإنما له علاقة فقط بالمصالح، وتحديداً المصالح الآنية والضيقة والمحدودة والقابلة للتغير من وقت لآخر حسب الظروف، وأيضا حسب مواقف الآخرين تجاه المساعدة علي تحقيق هذه المصالح أو إعاقة تحقيقها!
أيضا.. لا حب مصر، ولا الحرص عليها، ولا حمايتها، ولا صيانة المصلحة العامة موجود هنا فيما نتحدث عنه، حتي وإن سعي هؤلاء وغيرهم إلي رفع لوائه والظهور بمظهر الذين لا ينامون الليل من أجل مصر وشعب مصر.
وأزيد أكثر.. الأمر هنا ليس رؤي مختلفة ومتنوعة ومتعددة لمصلحة مصر أو للمصلحة الوطنية العامة والعليا، هذا ليس اختلافا سياسيا أو فكريا أو أيديولوجيا أو مبدئيا حول المصلحة العامة للبلاد وسبل تحقيقها.. ولكنه اختلاف أو بالأصح تصارع بين مصالح خاصة آنية وضيقة ومحدودة جدا لحفنة من المصريين، ولأنها مصالح متغيرة حسب الظروف فإن مواقفهم متبدلة ومتغيرة هي الأخري علي هذا النحو الذي نراه في السيرك السياسي الذي نتابعه بشغف والذي لا مكان فيه لأصحاب المبادئ!