صباح الخير
محمد الرفاعى
عتبات الجنة!
سيذكرون تلك اللحظات التى وقفوا فيها يحيون العلم المصرى على خط الاستواء، وهم مشدودون إليه بقوة قاهرة، وقد أخذت تتشكل ملامح لجمهورية تمتد على الأراضى التى يظللها علم الخديوية، من المنابع وحتى المصب.
حتى مشارف الموت.. ستظل عالقة فى الذاكرة، تلك اللحظة المقتطعة من الوجود الإنسانى للمصرى الحديث، خليط من الكرامة والفخر والخوف والوحدة، وقد عين حقيقة كينونتهم هذا العلم، الذى يخفق عاليا فى السماء..
سرية.. انتباه.
بتلك الكلمات.. يصل الروائى المبدع فتحى إمبابى إلى آخر عتبات الجنة، فاليوم.. يكتب كتاب النيل صفحته الأخيرة، ويصل الاثنا عشر ضابطا مصريا إلى منابع النيل.
ويرفع القائمقام حواش منتصر العلم المصرى على شمال هضبة الكونغو، يصل ما بين خط الاستواء وصفحة السماء.. ويكتب التاريخ صفحته الأولى.. وذلك العلم يرفرف فوق شجرة السدر المباركة، فى المديرية الاستوائية، عن أسطورة الاثنى عشر ضابطا مصريا، الذين حكم عليهم بالنفى، بعد فشل الثورة العرابية، يدافعون عن الحياة، ويحاربون تجارة الرقيق، ويزرعون الأرض.. ويكتبون أسطورة للنهار الجامح، وللنهر الحياة، أسطورة تبدأ أبجديتها من أسطورة سيف بن ذى زين «اعلم يا أمير.. أن من يملك كتاب النيل، يصير حاكما على مصر والحبشة والسودان، ويصبح فى نعليه جميع ملوك الزمان».
وهاهم يمتلكون كتاب النيل.. لكنهم صاروا فى عمق القارة المتوحشة يعانون من الوحدة، والموت الذى يأتى من الجهات الأربعة، بعد تخلى حكومة نوبار باشا عنهم، وبعد أن بدأ الصدام المروع بين «عقيدة الإمام المهدى الأصولية المغرقة فى بدائيتها، وعقيدة الضباط العرابيين، التى تنتمى لدولة دستورية حديثة.. اثنا عشر ضابطا.. لم يعد منهم غير ضابط واحد، تلك الأسطورة التى يدهشنا بها فتحى إمبابى، بعد أن أدهشنا بنهر السماء، التى مازالت تطفو فوق سطح النيل، عن ذلك المصلوب فوق صارى مركب، يعبر نفس النهر، فى مشهد مأساوى، يسحرنا فتحى إمبابى بتلك الرحلة إلى منابع النيل، يدخلنا أبجدية واقعية سحرية، ويمنح تلك الأسطورة خاتم الحياة، ويمنحنا أرواحنا الضائعة، الباحثة عن شجرة الأحلام، بروايته الممتعة الساحرة «عتبات الجنة».•
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف